حياة الشباب.. جيل جديد لا تنطبق عليه معايير الأجيال السالفة

أحياناً نحمل أبنائنا وبناتنا الشباب طموحاً أكثر مما يطيقون ، فنؤمن أن الزمان قد اختلف وظروف الحياة قد تغيرت لكننا نطالبهم أن يكونوا نسخة طبق الأصل من أمهاتهم وآبائهم في التعامل وبذل الجهد والممارسة اليومية وزيادة الاهتمام، ولو استرجعنا ذاكرتنا لتذكرنا أننا أنفسنا لم نعمل كما كان آباؤنا يعملون، ولو كان كل جيل أضعف من الذي سبقه لاضمحل الخير والإبداع ولما رأينا في حاضرنا أي إنتاجية.
الشعور بأن جيل اليوم ضعيف ولا ينفع بشيء شعور خاطئ بلا شك وهو محبط لعزائمهم أيضاً.
بل إن في شبابنا الخير والبركة وفي المقابل لديهم بعض التقصير الذي يمكن علاجه وتداركه بالكلمة الحانية والتوجيه التربوي السليم وزرع الثقة بفطنة وحكمة.
كل ما يحتاجه أبناؤنا أطفالا وشباباً هو الخبرة الحياتية والاستعداد للمستقبل، وهذا يمكن تحقيقه بالقرب منهم أكثر ليسهل عليهم تلقيه بالقدوة من والديهم ومربيهم، ولكن اتساع الفجوة تجعلهم يلجأون لقرنائهم ذوو الخبرات غير المنضبطة فيسقطون في مكامن الأخطار بأقدامهم.
 يتبرم أحياناً بعض الأبناء والبنات من والديهم دون سبب واضح، فلربما كلمة توجيهية من أحد الوالدين لم تكن مناسبة تماماً أو لم يرغبها الابن أو البنت جعلتهما يهربان من ذلك المحضن التربوي الآمن ونعته بعدم التسامح والتشدد في التعامل.
لا بد أن ندرك أن الشباب له فورة وأكبر ما تكون عند المراهقة الذين يثبت العلم والتجربة أنهم لا يقدرون العواقب دائماً ولا يحسبون حسابها بدقة وقد يستمر ذلك الاندفاع لما بعد العشرين.
فكم من بنت وافقت على الزواج من شخص غير كفء لها فقط لأنها تريد الهرب من جحيم البيت كما تعتقد، وما هي إلا أشهر وتكتشف الحقيقة المرة وربما تعود مطلقة وتشعر بفشل في بداية حياتها لا تغفره لنفسها، وكم من شاب دفعه تهوره للبعد عن مسلك الحياة السليم استجابة لهوى أو شهوة لا يريد أن يعلم بها والداه فأثمرت بلاء وهماً وربما مرضاً نغص عليه حياته.
كثير من الحالات المؤسفة لا تتكشف ولا تعالج إلا في نهاية الممر المظلم لدى مراكز الشرطة أو في المستشفيات وعيادات الطب النفسي.
نتلقى اتصالات من شباب وشابات يعانون من مشاكل قد تفاقمت وتراكمت بمرور الأيام، وكل ما مر يوم ازدادت تعقيداً وصعب طريق العودة والتصحيح واللجوء للوالدين والعائلة، على الأقل حسب اعتقادهم -والذي يكون في الغالب غير صحيح، هذا الشعور يجعلهم يصعدون سلم الغواية وهم يعلمون خطره وأن نهايته قاتلة لكن ربما يستبعدون وقت حدوثها.
من أصيب بالأمراض النفسية أو الجنسية يصرخ كل يوم عندما يعود لفراشه بعدما يحكم غلق الأبواب وتغطية نفسه لكيلا يسمعه أحد ، يصرخ من الألم النفسي وتأنيب الضمير أكثر من ألمه الجسدي.
كل يوم يقتل نفسه عدة مرات، يجدد أساليب القتل والتعذيب، وفي الصباح يحاول أن يرمم خارجه لكيلا يعلم بحاله أحد وربما يتصنع الابتسامة التي ربما تنطلي على مالا يعرف تشخيص تلك الأمراض.
يستعرض كل الحلول القاتمة، لكنه يهرب من طريق الحل السليم لأنه يعتقد أن في تراجعه وندمه مهانة له وفضح لوضعه وخوفه من عيون المجتمع الذي لا يغفر الذنب.
فلنسأل أنفسنا كآباء ومربين، ماذا أعددنا لشبابنا لتجنيبهم الوقوع في حفر الظلام؟، وهل نحن قريبين من أبنائنا وبناتنا لدرجة أنهم يسرون إلينا بكل ما يزعجهم دون حواجز؟ هل تعاملنا معهم مبني على الثقة أم أنه تهاون وتفريط؟
رسالة أبعثها لكل أب وأم من خلال ما أسمعه مشكلات صحية ونفسية ودراسية من تلك الفئة الغالية علينا، فأبناؤكم يحرقون أنفسهم كل يوم بآلام يعتبرونها صعبة حسب عمرهم  لكنها سهلة العلاج عليكم، وهي تكبر كل يوم ككرة الثلج وربما قتلتهم أمام عيونكم، وشبابنا يحتاجون للصفح والحنان والرحمة مع اليقظة والفطنة أكثر من حاجتهم للمحاسبة التي لا يتقبلونها أوالتحقيق فيما فات بدون جدوى والله غفور رحيم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال