الأمراض النفسية والعقلية في عصر النهضة الأوربية.. توجيه العناية في الطب النفسي إلى النواحي الجسمية في حالة نشوء الأمراض العقلية

في عصر النهضة حققت العلوم الطبيعية والعلوم الطبية تقدما سريعا وملحوظا.
وفي هذه الأثناء وجدت آراء أبوقراط في الطب طريقها إلى الانتعاش من جديد، فلم يعد ينظر إلى المصابين بالأمراض العقلية بأن بهم أرواحا شريرة تلبستهم فأفسدتهم، ألا أن هؤلاء المرضى كانوا موضع ملامة، وكانوا يحتجزون عادة مع عتاة المجرمين.
وعندما بدأت النظرة الإنسانية، والتطور في العلاج، في أوائل القرن التاسع عشر، وظهر في الأفق علماء وهبوا أنفسهم لخدمة وتقدم هذا العلم...
وفي أوروبا عامة، وفي فرنسا خاصة، في القرن التاسع عشر، تطورت الاتجاهات نحو من يعانون من المرض النفسي
أو العقلي تطورا كبيرا، وذلك بفضل حملة جديدة حمل لواءها الطبيب الفرنسي (فيليب بينيل)، ومن بعده تلميذه "أسكويرول" الذي رفع في الطب النفسي شعار: (أسعفوهم بالعلاج، لا بالصدقات المتبوعة بالإزعاج)، ومنذ ذلك بدأ الناس ينظرون إليهم بأنهم أشخاص يحتاجون فعلا إلى علاج، وعند ذاك تم تحويل السجون التي كانوا فيها يحتجزون، إلى مستشفيات فيها يعالجون.
كان إنشاء مستشفيات متخصصة بالطب النفسي أن ترتب عليها معرفة ضخمة مكنت المختصين من استنباط نتائج جد ناجحة.
ففي عام (1822) كان الطبيب النفساني بيل قد وصف الشلل المستفحل لدى المريض وصفا دقيقا، وقام أسكويرول بأول محاولة لتصنيف الأمراض النفسية، وعرف خصائص أمراض الأوهام والهلوسات، وأكد على أهمية العلامات الجسمية الدالة على مدى تدهور الحالات العقلية، وذكر تشخيصات طبية تحقق منها هو أيضا، وأكد كل من ديادوفسكي والينسكي دور العوامل البيئية في تسريع نشوء الذهانات والتسبب في وجودها لدى بعض الأفراد.
 وفي القرن التاسع عشر كانت هناك مثل تلك الممارسات المستفظعة، سارية المفعول وسائدة، ومنها مثلا، صب الماء البارد فوق رأس المريض وجسمه، والفصد لإسالة الدم بغزارة، والتدوير بسرعة كبيرة في مكائن خاصة أعدت خصيصا لهذا الغرض.
وبقي الحال كذلك إلى أن جاء الطبيب الألماني جريسنجر (1817 - 1868) الذي كان يصر على وجوب توجيه العناية في الطب النفسي إلى النواحي الجسمية في حالة نشوء الأمراض العقلية، ومن هنا جاءت فكرة الدمج بين الطب النفسي والطب العام.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال