إن تاريخ الأمراض النفسية والعقلية يوضح لنا التطور والتقدم الذي لاحق هذا الفرع من الطب في الآونة الأخيرة.
فبعد أن كانت الأمراض النفسية والعقلية شرا مستطيرا، وسيطرة من أرواح خبيثة، وعمل من أعمال الشيطان، وكأنها من صنع قوى خارقة أوجدتها، فكأنها حدثت نتيجة لسخط الآلهة، أو إذا تم الشفاء منها وزالت، فإنما يكون البرء منها نتيجة لرضا تلك الآلهة.
وبعد أن كان المرضى يحرقون أحياء في الشوارع، نظرا لتلوثهم بهذه الأرواح الشريرة، فكان ينظر إليهم أحيانا أنهم أناس مغضوب عليهم من الآلهة، أو كان ينظر إليهم بوصفهم أناسا منبوذين.
ولهذا فكثيرا ما كانوا يقتلون تخلصا منهم ومن الشياطين التي تلبستهم، أما المحظوظين منهم، ممن كانوا يكابدون حالات الجنون أخف وطأة، فكانوا يحاطون بالرعاية، ومن مظاهر تلك الرعاية أنهم كانت ٍتخلع عليهم الألبسة المزركشة، وتزين هاماتهم بأكاليل الغار.
بعد كل ذلك تطور هذا الفرع من الطب تدريجيا، عندما جاء أبو قراط - في القرن الخامس قبل الميلاد - وقال: ليكن معلوما أن المخ يحتوي على مناطق محددة هي مواطن اللذة، والانشراح، والمرح، والميل إلى اللهو، من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه يحتوي - في تلافيفه - على ما هناك من حزن، وأسى، وامتعاض، وأسف، وأنه بسبب ما يتعرض له الدماغ أحيانا من إعطاب، يقع بعض الناس فرائس في شراك الجنون، والهذيان، وما يتعرض له الإنسان من مؤثرات ومخاوف تؤرقه ليل نهار، ومصدر كل ذلك هو ما يصيب الدماغ من خلل.
ومن ملاحظات أبوقراط قوله، مثلا، إن أي عطب أو خلل يحصل بسبب صدمة معينة في أحد نصفي الدماغ، يؤدي بدوره إلى حدوث تشنجات في الجانب الآخر من الجسم.
التسميات
صحة عقلية ونفسية