السكين تحت سيف الشريعة: دراسة فقهية وطبية في أحكام الشق الجراحي بين واجب الحفاظ على النفس وضرورة التداوي في الإسلام

الشق الجراحي: بين الضرورة الشرعية والحاجة الطبية

يمثل الشق الجراحي أحد أهم التدخلات الطبية التي يلجأ إليها الأطباء لعلاج العديد من الأمراض والحالات المرضية. وهو إجراء جراحي يتم فيه قطع أو شق أنسجة الجسم بهدف الوصول إلى عضو داخلي أو إزالته أو إصلاحه. وعلى الرغم من أهمية هذا الإجراء في إنقاذ الأرواح وتخفيف الآلام، إلا أنه يثير العديد من التساؤلات حول حكمه الشرعي، خاصة فيما يتعلق بمسألة إتلاف الجسد.

الشق الجراحي: ضرورة أم حاجة؟

يمكن تقسيم الحالات التي يجري فيها الشق الجراحي إلى حالتين رئيسيتين:
  • الحالات الضرورية: وهي الحالات التي يهدد فيها الشق الجراحي عدم القيام به حياة الإنسان، كجراحة استئصال ورم خبيث أو جراحة الولادة القيصرية في حالات الطوارئ. وفي هذه الحالات، يكون الشق الجراحي واجباً شرعاً، وذلك لكون حفظ النفس من أهم الضرورات الشرعية.
  • الحالات الحاجية: وهي الحالات التي لا تهدد الحياة مباشرة، ولكنها تهدف إلى تخفيف الألم أو تحسين نوعية الحياة، مثل جراحة إزالة الزائدة الدودية أو جراحة العيون. وفي هذه الحالات، يكون الشق الجراحي جائزاً شرعاً، بشرط أن يغلب على الظن أن نفعه يفوق ضرره.

الشق الجراحي في جراحة الولادة:

تعتبر جراحة الولادة القيصرية أحد أهم الأمثلة على الشق الجراحي الضروري. وقد اختلف الفقهاء في حكم شق بطن الحامل لاستخراج الجنين في عدة حالات:
  • الجنين الحي: اتفق الفقهاء على جواز شق بطن الحامل لاستخراج الجنين الحي إذا كان ذلك ضرورياً لحفظ حياة الأم أو الجنين أو كليهما.
  • الجنين الميت: اختلف الفقهاء في حكم شق بطن الحامل لاستخراج الجنين الميت. فذهب الحنفية والشافعية إلى جوازه إذا رجيت حياة الجنين، بينما ذهب المالكية والحنابلة إلى عدم جوازه.

أسباب اختلاف الفقهاء في حكم شق بطن الحامل:

يرجع اختلاف الفقهاء في هذه المسألة إلى عدة أسباب، منها:
  • التعارض بين مصلحتين: يتعارض في هذه المسألة مصلحتان: مصلحة حفظ حياة الجنين ومصلحة احترام حرمة الميت.
  • الاختلاف في تقدير الضرر: يختلف الفقهاء في تقدير الضرر الناتج عن شق بطن الحامل، فبعضهم يرى أن الضرر قليل مقارنة بالمصلحة المرجوة، وبعضهم يرى العكس.
  • الاختلاف في فهم الأدلة الشرعية: يستدل كل فريق من الفقهاء بأدلة من الكتاب والسنة ليثبت رأيه.

الرأي الراجح في هذه المسألة:

بعد دراسة الأدلة والمذاهب المختلفة، يرجح جمهور الفقهاء جواز شق بطن الحامل لاستخراج الجنين الحي أو الميت إذا كان ذلك ضرورياً لحفظ حياة الأم أو الجنين أو كليهما. وذلك لأن حفظ النفس يعد من أهم الضرورات الشرعية، وأن الضرر الناتج عن الشق الجراحي يكون أقل من الضرر الناتج عن ترك الجنين يموت.

الشق الجراحي في الحالات الأخرى:

يشمل الشق الجراحي العديد من الحالات الأخرى، مثل:
  • استئصال الأورام: سواء كانت أورامًا حميدة أو خبيثة.
  • إزالة الأنسجة التالفة: مثل الأنسجة المصابة بالعدوى أو الحروق.
  • إصلاح العيوب الخلقية: مثل الشفة الأرنبية أو الحنك المشقوق.

الشروط الشرعية للجوء إلى الشق الجراحي:

يشترط للجوء إلى الشق الجراحي عدة شروط، منها:
  • وجود ضرورة طبية: يجب أن يكون هناك ضرورة طبية ملحة لإجراء الجراحة.
  • عدم وجود بديل: يجب أن لا يكون هناك علاج آخر فعال غير الجراحة.
  • التناسب بين الضرر والنفع: يجب أن يكون النفع المتوقع من الجراحة أكبر من الضرر الذي قد ينتج عنها.

الخاتمة:

إن الشق الجراحي يعد من أهم الإجراءات الطبية التي ساهمت في إنقاذ حياة الكثير من الناس وتحسين نوعية حياتهم. وعلى الرغم من أنه يتضمن إتلاف جزء من الجسم، إلا أنه يجوز شرعاً في الحالات التي تتطلبها الضرورة الطبية، وذلك لكون حفظ النفس من أهم الضرورات الشرعية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال