المسؤولية الأخلاقية في الجراحة الطبية.. حفظ العورات وستر السوءات وعدم النظر إليها بدون حاجة داعية على النظر

على الأطباء ومساعديهم آداب يجب عليهم مراعاتها شرعا وهي:

1- الصدق:

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين) فيجب أن تكون أقوال الطبيب ومساعديه متفقة مع الحقيقة، ويحرم عليهم إخبار المريض بما يخالف الواقع، ويعتبر كل واحد منهم مسؤولا عن جميع الأقوال الصادرة عنهم، ومتحملا للأضرار المترتبة عليها إذا كذب فيها وترتب على كذبه ضرر وبهذا نصت القوانين المنظمة لسلوك الأطباء.

وهنا يرد سؤال عن الحالات الخطيرة التي يخشى فيها على المريض لو أخبر بأنه مصاب بمرض جراحي مميت، فلو قام الطبيب بفحص المريض فوجده مصابا بمرض السرطان فهل يجب عليه أن يصدقه مع أن ذلك قد يضر المريض نفسيا فتزداد حالته سوءا؟ أم أنه يجوز له أن يكذب لهذه الظروف، ويكون مستثنى من أصل تحريم الكذب للحاجة؟

الذي يظهر عدم جواز الكذب على المريض مطلقا لعموم الأدلة على تحريم الكذب، كما أنه يترتب على إخباره بالحقيقة مصالح شرعية إذ يمكنه ذلك من الاحتياط لنفسه بالوصية بحقوق الآخرين، وتحصيل الأجر بالاستعداد بخصال الخير من ذكر وصدقة ونحو ذلك، وهذا كله يفوت بالكذب عليه.

ويمكن للطبيب إذا خشي الضرر على المريض أن يخبر وليه أو قريبه ليقوم بإخباره بطريقة مناسبة يخف معها وقع الخبر، ولو فرض الخوف على المريض في هذه الحالة أيضا فإنه يمكن للأولياء والقرابة ألا يخبروه ويسألونه عن الحقوق التي له وعليه ويرغبونه في الزيادة من خصال البر والخير، وبهذا يندفع الضرر وتحقق المصالح الشرعية مع الابتعاد عن الكذب.

2- الوفاء بالمواعيد:

وقد ثبت السنة أن إخلاف الوعد من علامات المنافق، فيجب على الطبيب ومساعدوه ألا يواعدوا المرضى إلا بعد تحققهم أو غلبة ظنهم بالوفاء بالوعد، إلا إذا طرأ طارئ كإسعاف عاجل لإنقاذ مريض خشي موته أو تلف عضو من أعضائه أو حصول مضاعفات خطيرة، ولكن هذا مقيد بعدم وجود طبيب يمكنه القيام بذلك.

3- الوفاء بالعقود:

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) فيجب على الطبيب ومساعدوه الالتزام بالعقود المبرمة مع المريض، ويأثمون ويتحملون المسؤولية التاتجة عن امتناعهم إذا امتنعوا دون عذر شرعي.

وقد ذهب البعض إلى أن الطبيب إذا اتفق مع المريض ثم امتنع من معالجته حتى مات فإنه يعتبر قاتلا متعمدا إذا  كان امتناعه على وجه العمد، أو لأسباب واهية وثبت القصد في الامتناع.

وهذا القول ليس بمسلم شرعيا فامتناع الطبيب عن المداواة إذا كان لأسباب واهية فإنه يعتبر وجودها شبهة موجبة لدرء الحد عنه خاصة إذا تأول فيها فظن أنها مقنعة في نظرة والحقيقة أنها ليست بمقنعة، وبظنه لكونها مقنعة ينتفي فيه قصد العمد.

وأما إذا امتنع مع علمه بحصول الضرر فلا يخلو إما ألا يغلب على ظنه موت المريض أو يغلب، فإن غلب على ظنه موت المريض فلا إشكال في اعتبار ظنه شبهة مسقطة للحد، والقصد لموته منتف على هذا الوجه، وأما إذا غلب على ظنه موت المريض فلا تخلو الجراحة التي امتنع من فعلها من حالتين:

أ‌- أن يغلب على ظنه عدم نجاة المريض بعدها لاستفحال المرض أو غيره فيعتبر المريض هنا في حكم الأموات، والامتناع هنا ليس فيه توقف عن بذل السبب الموجب لنجاته بإذن الله، فانتفى فيه وصف السببية الموجب للحكم بوصف الطبيب قاتلا.

ب‌- أن يغلب على ظنه نجاة المريض بتلك الجراحة بإذن الله ويكون قاصدا بامتناعه موت المريض وهلاكه، وسيأتي بيان هذه الحالة.

4- النصيحة للمرضى:

وهذا من حقوق المسلم على أخيه، وفي الحديث الصحيح: "الدين النصيحة" فالواجب على الأطباء ومساعديهم القيام بواجب النصح للمرضى فيشيروا عليهم باختيار الأصلح والأخف ضرر سواء كان ذلك في الفحص الطبي أم الجراحة، ولو كان في سبيل فوات مصلحة دنيوية لهم فما عند الله خير وأبقى.

ومن صور النصح:

أ‌- إذا علم أن الفحص بوسائل لا توجد عنده وتوجد عند غيره وتتحقق بها المصحة فعليه أن ينصحه بالذهاب على الغير.

ب‌- وهكذا لو كانت تلك الوسائل مأمونة الضرر ووسائله بخلافها.

ت‌- إذا علم الطبيب بالبديل الذي يمكن علاج المريض به وهو أخف ضررا من الجراحة فإن عليه أن يخبر المريض بذلك.

ث‌- بيان العواقب السيئة للمريض المترتبة على بعض المهمات التي يطلب من المرضى فعلها حتى يكونوا على بينة فيقدموا أو يحجموا، ومن الغش ومخالفة النصح أن يقوم الطبيب أو مساعدوه  بخدع المريض وذلك بتهوين أمر الجراحة وتكاليفها بأسلوب يجذب المريض إلى فعلها مع اشتمالها على كثير من المخاطر والتكاليف المالية الباهضة، ويأثمون بتقصيرهم هذا.

5- حفظ عورة المريض:

دلت النصوص على وجوب حفظ العورات وستر السوءات وعدم النظر إليها بدون حاجة داعية على النظر.
وفي الحديث الصحيح: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة".

فعلى الأطباء ومساعديهم التزام هذا الأدب، فلا يجوز أن يقوموا بمطالبة المرضى رجالا كانوا أم نساءا بالكشف عن موضع العورة، إلا عند الحاجة الداعية لذلك بحيث يتعذر الفحص والعلاج.
فإذا انتهكوا هذا الأدب كان للقاضي تعزيرهم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال