حالة لعصاب القلق.. دور الأسباب المهيئة في الإعداد للمرض

موظف، كتابي بإحدى الشركات، عمره (23 سنة)، أعزب، يقيم بالقاهرة، وموطنه الأصلي إحدى قرى الصعيد.
كانت شكواه بنص كلامه كما يلي: "القلق المستمر، أبص ألاقي حالات جسمانية تصيبني، مرة بيقوسولي الضغط، يلاقوه عالي، ومرة طبيعي.
بالليل آجي أنام، أبقى مش عارف.
أبص ألاقي كإن فيه حاجة فوق رأسي مقفلة عيني، آخذ علاج الضغط مفيش فايدة، في شغلي بعد ما كنت منظم وكويس دلوقت مش قادر أشتغل، اقعد على مكتبي خمس دقائق أروح قايم، رغم إني عارف إن شغلي متعطل، في الفترة الأخيرة لقيت نفسي باثور لأتفه الأسباب زي النهاردة الصبح داخل، الساعي جه قال لي مش عارف إيه، رحت واخذه بكوباية الينسون.. لو فيه موضوع معين في مخي عايز أدرسه، ألاقي مخي مش قادر أركز، ولا أعرف ابتدي منين، لا يمكن دلوقت أقدر أقرأ حاجة، وتثبت في دماغي على الرغم من إني كنت متفوق في دراستي.. كثير وأنا ماشي في الشارع يتهيأ لي أن فيه عربية حتصدمني.
وبدراسة تاريخه الأسري، وظروف تنشئته، تبين أنه نشأ في بيئة محافظة، فقيرة في الصعيد، وكان أكبر إخوته، وأن والدته ماتت وهو في سن الرابعة عشرة، (وكانت وقت موتها غضبانة في بيت والدها!!).. وأنها هي التي كانت تحرص على أن يتعلم، حتى أن أخوته الأصغر منه لم يتعلموا، وربما كان ذلك بسبب موتها، وكانت تحرص على أن تراه متفوقا جدا، فيقول: "مرة طلعت الثاني، قلعت الشبشب وضربتني"، وكانت علاقته بوالده سيئة للغاية.. "كان باستمرار يضربني ويطردني ويقولي: "انت لو نجحت حتعملي إيه؟ " .. وتزوج الوالد بعد وفاه الوالدة مباشرة، وكانت زوجة الأب قاسية "مسيطرة على كل حاجة ، وإن كانت في الفترة الأخيرة بتحاول تتقرب مني، علشان أساعدهم ماديا"، وكان رب الأسرة هو جد المريض (والد أبيه)، وكانت شخصيته مسيطرة على كل من بالمنزل، وهو الذي صمم على أن يكمل المريض تعليمه، ولكنه كان سببا في صدمة المريض نفسيا منذ الصغر، إذ أن المريض اكتشف علاقة بين جدة وزوجة أبيه، فصدم صدمة شديدة.. هزت مثله العليا، وحاول أن ينبه جده إلى أنه رأى ذلك المنظر بطريق غير مباشر، فأخذ يقص عليه قصته، وكأنه قرأها في كتب المدرسة، وكان فحوى القصة ما جرى بين الجد وزوجه الأب، وما كاد الجد يسمع هذه القصة حتى تبين ما يعنيه حفيده، فأصيب بنوبة قلبية، فشهق ومات (!) (ولم نستطيع التأكد من مدى صحة هذه الرواية!).. وشعر بعد ذلك المريض بشعور بالذنب، وأنه السبب في وفاة جده الحريص على تعليمه، ولكنه كان يبرر ذلك بأنه لو ترك الأمور تسير دون تدخل منه لكان من المحتمل أن يكتشف والده العلاقة وينهار البيت جميعه . أما السبب المرسب فكان انتهاء علاقة حب بين المريض وبين إحدى الفتيات التي كانت على غير دينه، وابتدأت كل أعراض القلق تقريبا حين أخبرته أن قريبا لها خطبها.
وبالفحص العضوي تبين أن جسمه سليم، وأن أعراضه ليس لها ما يبررها عضويا.
وهكذا نرى كيف تلعب الأسباب المهيئة دورا هاما في الإعداد للمرض، وهي في هذه الحالة فقر الأسرة، وقسوة الوالد، ووفاه الأم، وسوء معاملته زوجة الأب، ثم سيطرة الجد، ثم تحطيم المثل الأعلى فيه، ثم الشعور بالذنب نحو وفاته.
ونرى أن السبب المرسب وهو خيبة الأمل في الحب، وكان يمكن أن يمر بسلام لولا كل هذه المقدمات.
ونحب أن نشير إلى أن روايته عن حادثة جده وزوجة أبيه ثم وفاة جده، بهذه الصورة الدرامية قد كان لها دلالتها في تكوين نفسية المريض  وفي العلاج، سواء كانت حقيقة أم من نسج الخيال.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال