النظرية الجنسية في الإسلام.. الزواجَ هو الطريق الصحيح لتصريف الطاقة الجنسية وهو الحلُّ الأوحد الجذري للمشكلة الجنسية

ينظر الإسلام إلى الإنسان نظرة شاملة. ينظر إليه جسماً وعقلاً وروحاً: وذلك من خلال تكوينه الفطري،  ثم هو ينظم حياته ويعالجه على أساس هذه النظرة.

فالإسلام لم ينظر إلى الإنسان نظرةً مادية مجرّدةً لا تتعدى هيكله الجسدي ومتطلباته الغريزية شأن المذاهب المادية،  في حين لم يحرمه حقوقه البدنية وحاجاته العضوية.

لم يكن الإسلام إيبيقورياً Epicurien في إطلاق الغرائز والشهوات من غير تنظيم ولا تكييف، ولم يكن كذلك رواقياً Stoicien في فرض المثاليات وإعدام المتطلبات الحسية في الإنسان.

والإسلام بناءً على تصوّره لطبيعة الإنسان ولاحتياجاته الفطرية ولضرورة تحقق التوازن في إشباعاته النفسية والحسية يعتبر الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية في تركيب الإنسان التي يجب أن يتمَّ تصريفُهَا والانتفاعُ بها في إطار الدور المحدّد لها، شأنها في ذلك شأن سائر الغرائز الأخرى.

ولا شكّ أن استخراجَ هذه الطاقة من جسم الإنسان أمرٌ ضروريٌ جداً، وبالعكس فإن اختزانها فيه مضرٌّ جداً وغيرُ طبيعي، ولكن بشرط الانتفاع بها وتحقيق مقاصدها الإنسانية.

وحين يعترف الإسلام بوجود الطاقة الجنسية في الكائن البشري، فإنه يحدّد لهذا الكائن الطريق السليم لتصريف هذه الطاقة، وهو طريق الزواج الذي يُعتبَرُ الطريقَ الأوحد المؤدي إلى الإشباع الجنسي للفرد من غير إضرار بالمجتمع.

ويتصوّرُ الإسلام وجودَ علاقة بين الرجل والمرأة على أنها الشيء الطبيعي الذي ينبغي أن يكون.

فهو يُقرُّ بأن الله قد جعل في قلب كل منهما هوىً للآخر وميلاً إليه.
ولكنه يذكـّرهما بأنهما يلتقيان لهدف هو حفظ النوع. وتلك حقيقة لا نحسبها موضعَ جدالٍ. فمن المسلـّم به لدى أهل العلم أن للوظيفة الجنسية هدفاً معلوماً، وليست هي هدفاً بذاتها. يقول القرآن الكريم: "نِسَاؤُكـُمْ حَرْثٌ لَكـُمْ" (سورة البقرة: الآية 223)، فيحدد بذلك هدف العلاقة بين الجنسين بتلك الصور الموحية.

وربما خطر في فكر سائل أن يقول: إن هدف الحياة من هذه الشهوة أن يتحقق سواء تيقّظَ إليه الفرد أو كان غارقاً في الشهوة العمياء، فما الفرق بين هذا وذاك؟

ولكن الحقيقة أن هناك فارقاً هائلاً بين النظريتين في واقع الشعور. فحين يؤمنُ الإنسان بأن للعمل الغريزي هدفاً أسمى منه، وليس هو هدفاً في ذاته، يخفّ سلطان الشهوة الطاغية في شعوره، فلا يتخذ تلك الصورة الجامحة التي تُعذّب الحسّ أكثر مما تتيح له المتعة والارتياح. وليس معنى ذلك أنه يُقلل من لذتها الجسدية، ولكنه على التحقيق يمنع الإسراف الذي لا يقف عند الحدّ المأمون.

ففي حدود الأسرة وفي نطاق الزوجية يتيحُ الإسلام للطاقة الجنسية مجالهَا الطبيعي المعقول، ولكنه لا يتيح لها المجال في الشارع؛ خلسة أو علانية.

وهو يرى ببصيرته كيف تنحلّ الأمم وتسقط حين تترك أفرادها يتهاوَوْن في الرذيلة دون أن تأخذ بحجزهم وتمنعهم من الانحدار.

يقول الدكتور فريدريك كان Frederic Kahn: إن الزواجَ هو الطريق الصحيح لتصريف الطاقة الجنسية، وهو الحلُّ الأوحد الجذري للمشكلة الجنسية.

ويقول في كتابه (حياتنا الجنسية): كان البشر في الماضي يتزوجون في سنّ مبكرة، وكان ذلك حلاً صحيحاً للمشكلة الجنسية،  أما اليوم فقد أخذ سنُّ الزواج يتأخر، كما أن هناك أشخاصاً لا يتوانَوْن عن تبديل خواتم الخطبة مراراً عديدة.

فالحكومات التي ستنجح في سنّ قوانين تسهّل بها الزواج المبكر، ستكون الحكومات الجديرة بالتقدير، لأنها تكتشف بذلك أعظم حلّ لمشكلة الجنس في عصرنا هذا.

والإسلام حينما يعتبر الزواج الطريق الفطري الذي يحقق للطاقة الجنسية هدفهَا الإنساني، فضلاً عن تحقيقه اللذة الآنيّة منها، فإنه يتوجّه بقوة للحضّ على الزواج وتسهيله وتيسير أسبابه.

وإلى أن تتهيأ للشباب فُرَصُ الزواج وأسبابه، فإن الإسلام يدعو إلى الاستعفاف، وهو علاج مقبول وطبيعي في مجتمع لا يترك الإنسان فريسة للقصف الغريزي المدمّر، كما هو مشاهد اليوم في المجتمعات البشرية كافة.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا معشرَ الشبَابِ منِ استَطاعَ مِنكمُ الباءةَ فليتزوّجْ، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنه له وِجَاء".

ويقول عليه الصلاة والسلاّم: " إذا تزوجَ العَبدُ فقد استكملَ نصفَ دينه، فليتقّ الله في النصف الباقي".

ويقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ حقّ على الله عونُهم : المجاهد في سبيل الله، والمكاتبُ الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف".

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كان موسِراً لأنْ ينكحَ ثم لم ينكحْ فليس مني".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال