الأخلاق الطبية في الإسلام.. دراسة التراث الأبقراطي والدمج بين المبادئ الإسلامية الطبية وبين الأخلاق الطبية المأخوذة عن اليونانيين والمسيحيين وغيرهم

إن الدولة الإسلامية منذ نشأتها كانت منفتحة على العالم الأخر، وكانت تحاول دائما الاستفادة من تقدم وتطور الشعوب الأخرى، فاهتم المسلمون بالطب كثيرا ومنذ وقت مبكر، واهتموا أيضا بترجمة كتب الطب المشهورة عند الأمم، وظهر العديد من الأطباء المسلمين وبرزوا في عالم الطب.

وأيضا عكف المسلمون على دراسة علم الطب، خاصة أن الإسلام يحثهم على دراسة هذا العلم، فقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم: "لم ينزل الله داء، إلا وانزل له الدواء الشافي".

وكذلك تأثر الأطباء المسلمين بالتراث الأبقراطي، فدرسوا هذا التراث وحللوه ونقدوه وأضافوا إليه، ودمجوا بين المبادئ الإسلامية الطبية وبين الأخلاق الطبية المأخوذة عن اليونانيين والمسيحيين وغيرهم.

فقد كتب إسحاق بن علي الراوي كتابه المشهور "آداب الطبيب" وهو يعتبر من الأعمال الفريدة واللامعة التي اهتمت بالأخلاق العلمية في مجال الطب.

وركز الدين الإسلامي على مراعاة حرمة المريض ومصلحته، وعلى حفظ الطبيب لأسرار المريض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في اجله فإن ذلك لا يرد شيء ويطيب نفسه".

ودعت الشرائع الإسلامية الطبيب المسلم إلى الإيمان بداية بشرف مهنته وأهميتها في حياة البشر، فالطبيب يؤتمن على صحة الإنسان وهي أثمن ما لدى البشر، فقال صلى الله عليه وسلم:"سلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت احد بعد اليقين خيرا من العافية".
وقال صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".

فالطبيب مهنته في غاية الأهمية وهذا الأمر لا ينكره أحد عليه. ويشجع الدين الإسلامي الطبيب المسلم على التعليم الذاتي، فعلى الطبيب أن لا يتوقف عن التعلم وذلك لان العلوم الطبية تتجدد في اغلبها كل سبع سنوات.

ويمكن للطبيب المسلم تحديث معلوماته وعلمه بواسطة الاطلاع المستمر وحضور الندوات والمؤتمرات، وعلى الطبيب أيضا أن يعتبر نفسه دائما طالبا للعلم وجاهلا في جوانب معينة، كما وعليه إتباع وتبني منهجا فكريا يشجعه على التروية والتصبر ويعتمد بالأساس على التساؤل لقوله تعالى :"قل انظروا ماذا في السموات والأرض" (يونس :10).

وهذا الأمر مهم لتقدم وتطور الأطباء المسلمين، فهذا ابن النفيس تلقى معارف جالينوس في الطب فلم يقف عندها فقط بل اكتشف الدورة الدموية الصغرى ولم يقف لدى ما سبقه من الاكتشافات بل طورها.

كذلك ابن الهيثم(2) طور نظرية الأبصار ووضع نظريات حديثة في علم البصريات، لذلك يجب أن يكون الطبيب ناقدا ومطورا للمعلومات أو النظريات بغية التقدم والتطور، وهناك الكثير من المميزات والصفات التي يتوجب على الطبيب المسلم التحلي بها كالصدق والصبر والأمانة والحلم والإحسان.

ولا يمكننا طبعا الوقوف على جميع هذه المزايا، ولكن يمكن التصريح أن الصفات الايجابية والمزايا الحسنة بأكملها لا بد وان تتوفر في الطبيب المسلم ليقوم بعمله الضروري على الوجه الصحيح.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال