رأي علي جمعة مفتي مصر في استخدام تحليل البصمة الوراثية.. النسب من قبل الأم يثبت بالطبع ويثبت بين الابن وبين أبيه بالشرع وليس بالطبع

رأي علي جمعة مفتي مصر في استخدام تحليل البصمة الوراثية:
الذي عليه الفقه الإسلامي هو أن النسب من قبل الأم يثبت بالطبع، فالولد يصبح ابنًا لهذه السيدة بالميلاد، ولكنه يثبت بين الابن وبين أبيه بالشرع وليس بالطبع، وهذا شبه متفق عليه في الفقه الإسلامي عبر العصور؛ ولذلك فإن التسرع في إثبات النسب لابن الزنا نراه غير سليم، وهذا لا علاقة له باستعمال تحليل الـ "(DNA)"، حيث إن استعمال هذا التحليل يؤدي إلى أمور يمكن أن تعتمد شرعًا وليس مع الإقرار بالزنا، وإنما لفصل خصومات أخرى غير قضية أن تندرج هذه التحاليل تحت الإقرار بالزنا، ومعنى الكلام أن معنا صورًا كثيرة ومتعددة في هذا المقام:

الصورة الأولى:
هي صورة رجل وامرأة اعترف كل منهما بالزنا وفي هذه الحالة فإن القاضي لا يستطيع شرعًا أن يثبت نسب الولد لذلك الرجل سواء اعترف ذلك الرجل بأن هذا الطفل منه أو لم يعترف.

والصورة الثانية هو أن رجلاً وامرأة ليس بينهما مانع شرعي جاءا إلى القاضي وطلبا منه أن ينسب طفلاً ما إليهما، فإن القاضي له أن ينسب الطفل إليهما دون أن يفتش عن وجود عقد زواج صحيح أو فاسد أو وطء شبهة وهي الأمور التي يثبت بها النسب في الشريعة الإسلامية بين الطفل والرجل.. بل إنه يصدق إقرارهما، والفرق بين هذه الصورة والصورة التي قبلها، أنه في الصورة الأولى قد أقرا معًا بالزنا،

الصورة الثانية:
قد سكتا، وأراد أن يلحقا بهما طفلاً، وهنا فلا بد للقاضي أن يلحق هذا الطفل وكأنه قد افترض أنه قد جاء بعد عقد صحيح أو عقد فاسد أو وطء شبهة.

الصورة الثالثة:
أن يأتي شخص ويعترف بأن هذا الطفل منه من هذه المرأة الماثلة أمام القاضي، ثم يتبين للقاضي أن بينهما محرمية تحرم الزواج أيضًا، وهو الحاصل فيما يسمى بزنا المحارم، فقد يكون ذلك الشخص أباها أو أخاها أو عمها أو نحو ذلك، فيرفض القاضي؛ لأنه أصبح متيقنًا من الذي حدث إنما هو من قبيل الزنا، إلا في حالة واحدة فقط، وهو الدعوة منهما أن ذلك كان عن وطء شبهة بأن لم يكن يعرف، ولا تعرف هي علاقة المحرمية المانعة من الزواج، وكل هذه الصور لا تحتاج أصلاً إلى الـ "(DNA)".

الصورة الرابعة:
هي أن تأتي امرأة فتدعي أمام القاضي أن رجلاً ما قد تزوجها زواجًا صحيحًا ولا تستطيع أن تثبت ذلك الزواج الصحيح الذي تم بأركانه، وشروطه الشرعية -كما تدعي- حيث إن الشهود قد غابوا بسفر أو موت أو نحو ذلك، ولكن الرجل ينكر ويدعي أنه لا يعرف هذه المرأة ولم يقربها، وفي هذه الحالة والتي هي أساسًا حالة دعوى زوجية تثبتها المرأة وينكرها الرجل يجوز استعمال الـ "(DNA)"  -في رأينا- حيث إن هذا سيثبت أمورًا:

1 - خطأ إنكار الرجل إذا أثبت التحليل أن هذا الطفل منه.

2 - هي قرينة لصدق المرأة في دعوى الزوجية، ودعوى المعاشرة، ودعوى أن الذي كان بينها وبين هذا الرجل لم يكن زنا.. بل كان زواجاً؛ لأننا لو سلكنا مسلك تصديق الرجل لوصفنا ما كان بينهما بأنه زنا، ولأضعنا الولد، ولو أننا سلكنا مسلك تصديق المرأة لافترضنا تصحيح العلاقة بينهما طبقاً لقولها وحمينا ضياع الولد، وهذه الحالة تخوف الناس، خاصة الرجال من الزنا؛ لأنه لا يضمن أن تحمل المزني بها منه، ثم تدعي الزوجية والتي سيتحقق منها القاضي بهذه الطريقة، وعليه فالقول باستعمال تحليل الـ "(DNA)"  في هذه الحالة يدرأ الزنا ويمنع الأشرار منه.

الصورة الخامسة:
أن يقر الرجل والمرأة معًا ببنوة الطفل، فيأتي آخر كالولي، أو الوارث يعني من يأمل أن يكون وارثًا، ويطعن في نسب ذلك الطفل إليهما، وقطعًا للظنون والشبهات نلجأ إلى تحليل الـ "(DNA)"  حتى نقطع على المدعي الخارجي دعواه.

وفوق ذلك فإن الـ "(DNA)" باتفاق الفقهاء يستعمل إذا ما اختلط الأطفال في مستشفى مثلاً، أو بعد الكوارث الطبيعية أو بعد الحروب، وحدث تنازع بين الأسر، أو احتياج إلى معرفة آباء هؤلاء الأطفال وأسرهم، ونحو ذلك.

وهذا كله على شرط أن يصل تحليل الـ"(DNA)"  من ناحية الطبع، ومن ناحية الفاحصين، ومن ناحية الآلات المستعملة، ومن ناحية كتابة التقارير، ومن ناحية حصل الطفرة، وبنك البصمة في بلد ما إلى حد يقين إثباتًا ونسبًا، فإذا لم تصل لحد اليقين إثباتًا ونفيًا فإذا لم تصل لحد اليقين فلا يجوز الاعتماد عليها إلا بقدر ما يراه القاضي قرينة ظنية.

ورأينا الذي قدمناه من عدم اعتماد الزنا، ومن اعتماد الـ"(DNA)"  ليكون أحد القرائن التي تثبت الزوجية المدعاة هو رأي جديد، واجتهاد نرجو من الله أن يكون صحيحًا، فإن كان كذلك فنسأله الأجر والثواب، وإذا كان غير ذلك فهذا مبلغ علمنا ووسع طاقتنا.

أما القول بعدم الأخذ بتحليل الـ "(DNA)" في إثبات نسب ولد الزنا هو من الفقه القديم ولا يتفق مع العصر ولا يحقق مبدأ الستر، فإن الرد عليه من جهتين: الجهة الأولى أن الزنا غير معتبر، وأيضًا زنا المحارم لا نستطيع أن نحل فيه المشكلة، فماذا لو زنا الأب أو الأخ بالبنت؟.

فنحن الآن إذا اعترفنا بنسب ولد الزنا سنكون أمام حالة سنفرق فيها بين الناس، فالزنا بين الرجل والأجنبية غير معتمد وحرام، والزنا بين الأب والبنت، والأخ وأخته غير معتمد وحرام، فهل يعقل أن نقول في الأولى نثبت النسب، وفي الثانية لا نثبت النسب؟!

وإذا أردنا أن نثبت النسب لكل زان فإننا سنرفع نظام القرابة وهو أول معول في القضاء على الاجتماع البشري.. إذن عندما لا أعتمد الزنا أنا لا أرتكب جريمة.. بل على العكس فأنا أحافظ على الاجتماع البشري.

والجهة الأخرى هي صورة اللقيط مجهول الأب والأم أصلاً، فماذا نفعل فيه، وإلى أي شيء ننسبه، فإذن مشكلات الطفل الذي جاء خارج الاعتماد الشرعي لها صور كثيرة لن تحل كلها، ونحن نحاول أن نحلها بقدر المستطاع -كما قدمنا-، إذن فكلامنا واجتهادنا الجديد يراعي طائفة كبيرة جدًّا، ويحاول أن يقي المجتمع من الزنا، وفي نفس الوقت لا يخرج عن الفقه الموروث، ولا يخرج أيضًا عن العدالة والمساواة، وهي أمور لازمة لتحقيق الإنصاف بين الناس.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال