الأثار الاجتماعية والأخلاقية والنفسية لعملية استئجار الأرحام.. اصطباغ الأمومة والأرحام بالصبغ التجارية. اختلاط بالأنساب. التأثير سلبا على قيمة مساعدة الآخرين المرتبطة بمفهوم الغيرية

تتمثل الأثار الاجتماعية والأخلاقية والنفسية لعملية استئجار الأرحام في:

1- اصطباغ الأمومة والأرحام بالصبغ التجارية: إن للأمومة منزلة رفيعة في جميع الأديان والأعراف، إلا أن عملية استئجار الأرحام جعلتها كالسلعة تباع وتشترى فهي بهذا حددتها وقيدت قيمتها، ففتحت عدة شركات ووكالات خاصة لتأجير الأرحام في الغرب، وأصبح للأرحام سوق تجارية مادية، زد على ذلك إن هذه الشركات تستغل الأم المستعارة والزوجين استغلالا سلبيا.

وعملية استئجار الأرحام تجعل معنى الأمومة مبهما غير واضح، بعد أن كانت الأم دائما هي صاحبة البويضة وهي صاحبة الرحم، أما الآن فانقسمت الأم وأصبح هناك نوعان. والرحم له مكانة راقية في الإسلام (تم الحديث عن أهمية الرحم في الفصول السابقة)، وان عملية استئجار الأرحام فيها امتهان وابتذال للرحم فهو يستأجر، رغم أهميته فهو عضو أساسي، له علاقة شديدة بالمشاعر والعواطف أثناء الحمل، وهو ليس كاليد أو الرجل يمكن استئجار صاحبها للعمل أو الرياضية.

الأمر الذي أدى إلى تداخل أشياء كثيرة في بعضها البعض، وجعل الناس يختلفون في معنى الأم، ومن هي الأم؟ وباتوا يشككون فيها بعد أن كانت تدل على أرقى وأسمى المعاني.

2- إن عملية استئجار الأرحام تربي على قيم سلبية فهي تشجع النساء الفقيرات على أداء عمل كهذا من باب الحاجة الاقتصادية فيصبح الرحم والطفل سلعة تباع وتشترى باسم الإنسانية، وتحت شعار تحقيق أمنية الأم المحرومة.

كما وتشجع النساء الغنيات والأسر الغنية ذات المال والجاه على عدم تحمل متاعب الولادة والحمل والآم، فيكون باستطاعة الأزواج الأثرياء الحصول على عدة أولاد في عام واحد ما عليهم سوى أن يقدموا البويضات والحيوانات المنوية، وغيرهم من المحتاجات يحملن ويتحملن الآم والمخاض، وإذا بهم يحصلون على عدة أبناء في ذات العام، فأين هم من هؤلاء الأبناء؟ وما هو شعورهم تجاههم؟وكيف سيتحملون مسؤولية تربيتهم؟.

3- ستؤثر هذه القضية سلبا على قيمة مساعدة الآخرين المرتبطة بمفهوم "الغيرية"، فالكثير من الأمهات البديلات يرفضن مساعدة الآخرين دون مقابل، فهذه "كيك كوتن" وهي أول أم بديلة في انكلترا، حين سئلت هل شعرت بأي تأنيب ضمير حين وافقت على اخذ النقود من اجل تأجير رحمها، أجابت بالنفي وصرحت إنها ما كانت لتفعل ذلك دون مقابل، وأضاف زوجها انه لن يكون سعيداً إذا قامت زوجته بتأجير رحمها دون مقابل. هذا الأمر يربي على الاستغلال وعلى الحياة المادية البحتة، فكلا الزوجين يرفض مساعدة الآخرين من حيث المبدأ، ويستمسك كل من الزوجين بالماديات في حين أن الحديث يدور عن غريزة وعاطفة الأمومة وعن عملية إنجاب كائن جديد، إنسان بحد ذاته.

4- عملية استئجار الأرحام مكلفة جدا جدا، فالتلقيح الخارجي بين بويضة المرأة وماء زوجها يكلف ما بين أربعة إلى ستة ألاف دولار للمحاولة الواحدة، ونسبة نجاح هذا التلقيح لا تزيد عن 30% في أحسن المراكز العالمية، ناهيك عن أجرة الرحم والمبلغ الذي يدفع للأم البديلة وعن أجرة الشركة والمحامي، فهذه العلمية مكلفة جدا رغم أن نسبة النجاح قليلة.

5- من الوارد حدوث اختلاط بالأنساب، فمن السهل تبديل النطف في المعمل سوءا سهوا أو قصدا، وأيضا من يضمن للزوجين أن الأم البديلة لن تجامع زوجها في بداية فترة الحمل وحينئذ من الممكن أن تحمل بتوأمين، فلا يعرف تماما بعد الولادة أي ولد من المعاشرة الزوجية وأي ولد من شتل الجنين، ومن الممكن أن يموت احد التوأمين ولا يمكن معرفة أي منهم الذي مات، وهذا سيؤدي إلى نزاع حول الطفل الذي بقي على قيد الحياة.

وهذا الأمر ينطبق أيضا على حمل الضرة، فمن الممكن أن تحمل الضرة من زوجها بعد زرع اللقيحة في جسمها، فتحمل حمل أخر قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة فتحمل توأمين لا يعرف من ولد اللقيحة ومن ولد الضرة، كما وقد تموت علقة احد الحملين ولا تسقط إلا مع ولادة الأخر، فبهذا يتواجد لدنيا اختلاط انساب من جهة الأم الحقيقة لكل من الحملين وما يترتب عليه من أحكام.

وطبعا يحصل اختلاط بالأنساب إذا تم استخدام صور تأجير الرحم والتي فيها تؤخذ البويضة من أجنبية ويتم تلقيحها بمني الزوج أو اخذ ماء رجل غريب وتلقيحه ببويضة الزوجة، أو اخذ بويضة أجنبية وتلقيحها بماء رجل أجنبي ورد الطفل بعد الولادة للزوجين، إلا أن هذه الصور ليست محور بحثنا لذلك لم أخض بالتفصيل عنها.

6- إن عملية استئجار الأرحام تخلف أثارا نفسية بليغة على العديد من الأطراف، فهذه الأم المستعارة إذا قامت بتسليم الوليد إلى الزوجين فسينتابها شعور بالألم والحزن وربما تتأثر نفسيا، وذلك لأن الأمومة علاقة عاطفية تتولد وتنمو أثناء الحمل وبعد الولادة، فيصعب على الأم أن تتخلى عن ابنها الذي تعبت في حمله وتحملت لأجله الآم المخاض والولادة، فكل أم بديلة تتوقع في البداية إن الأمر سيكون سهلا ولكن بعد تجربة الأمومة يصعب عليها التحكم والسيطرة على هذه الغريزة القوية الجياشة.

لذلك نجد أن اغلب الأمهات بالوكالة رفضن تسليم المولود بعد الوضع للزوجين رغم العقد الذي عقدنه مع الزوجين في البداية.
وأيضا إذا رفضت الأم المستعارة تسليم الطفل للزوجين، فسيتأثر كلا الزوجين نفسيا وعاطفيا فهذا المولود بمثابة حلم كبير طال انتظاره، حلم قدموا لأجله الغالي والرخيص، من أموال وتحاليل وأعصاب وقلق، لذلك لن يقبلوا بأن يأخذه غيرهم.

ولا ننسى أيضا الطفل والذي هو محور هذه العملية، فحين يصبح هذا الطفل مميزا أو حين يبلغ هناك احتمال كبير جدا بأن يدخل في عالم من المتاهات والعقد النفسية، لأن وضعه البيولوجي غير طبيعي، ولا بد أن يتساءل كثيرا من أمه الحقيقة؟ من أبوه الحقيقي؟ والعديد من التساؤلات التي ربما ستؤثر عليه بشكل سلبي جدا، وشيئا فشيئا ستختفي الرابطة الإنسانية التي تربط الطفل بأمه.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال