الثورات التكنولوجية (التقنية).. الإلكترونات الدقيقة والليزر والألياف الضوئية وتقانة الفضاء وصناعة الأدوية والكيماويات الدقيقة والتقانة الحيوية والهندسة الوراثية

لقد جرى العرف بين كثير من المراقبين للعلم من منظور تاريخي على أن هناك ثلاث ثورات تقنية؛ بدأت بعصر الميكنة، ومرت بعصر الأوتوماتيكية، وانتقلت إلى عصر التقانة الراقية أو كما يقال التقانة المتفوقة (Super-technology) ذلك العصر الذي نعيشه في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، والذي يمكن أن نطلق عليه - مجازاً - الثورة التقنية الثالثة، حيث إنه من الصعب أن نضع حدوداً فاصلة بين الثورات العملية التقنية؛ فقد اتخذ التطور التقني شكلاً تدريجياً في الارتقاء من مستوى إلى مستوى أفضل.

وإذا كانت الثورة الصناعية الأولى قد زودت الإنسان بإمكانيات عضلية وعقلية ممثلة في الروافع والماكينات، وإذا كانت الثورة الصناعية الثانية قد أعفته من القيام بالأعمال الروتينية المكررة فإن الثورة الصناعية الثالثة هي الثورة الخطيرة التي ستفرض السيادة: اقتصادية.. عسكرية.. سياسية للدول التي تحتكر معطياتها ومقوماتها.

كما أدخلت هذه الثورة بعداً جديداً يتزايد ثقله، ألا وهو القيمة المستحدثة مثل إنتاج شرائح الإلكترونات من سليكون الرمال وما تبعها من وسائل اتصال ومعلومات وإنسان آلي.

كذلك فرضت هذه الثورة التقنية خصائص النظام العالمي الجديد، فلا مكان في الأسواق الدولية لدول تتجاهل الدور الخطير الذي يلعبه التغيير التقانى في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن القول بأن هناك معاني واستنتاجات لما يتوقع أن يئول إليه حال الدول التي تتخلف عن الركب وتخرج من حلبة السباق والتنافس على امتلاك العلم والتقانة - التي تعتبر أدوات العصر- وتوفير كل الدعائم والمقومات والإمكانيات لذلك.

وفى الواقع بدأت تتضح معالم جديدة لتصنيف الدول على أساس قدرتها التقنية بداية من دول العالم الأول أو عالم المبدعين والرواد، وانتقالاً إلى دول العالم الثاني أو عالم الملاحقين والمقلدين، وهبوطاً إلى دول العالم الثالث أو العالم النامي.

إننا نعيش عصر الثورة التقنية الثالثة.
العصر الذي لا نعرف كم من العقود سوف يستغرق، ذلك لأن الأحداث العلمية تتوالى بسرعة مذهلة وآثارها لا يكاد يدركها خيال.

العصر الذي تزيد إنجازات العقد الواحد فيه في الكيف والكم والقيمة عن إنجازات ألوف السنين التي عاشها الإنسان من قبل، ويتكامل مع هذا القول ما يقال أيضًا: إن العلماء الذين يشتغلون بالعلم والبحث العلمي والتطوير التقاني في الوقت الحالي يزيد عددهم على كل الذين أنجبتهم كل الحضارات السابقة وحتى السبعينيات من القرن الحالي، وإنهم ينفقون من الأموال ويستخدمون من الإمكانيات ما يتضاءل إلى جواره كل ما أنفقته الإنسانية من أموال واستخدمته من إمكانيات قبل السبعينيات.

وتتمثل الثورة التقنية الثالثة في عدد من المجالات العلمية والتقنية الجديدة والمستخدمة، والتي تبذل فيها جهود مكثفة في مراكز التمييز الدولي للدول الصناعية المتقدمة نظراً للاختبارات العملية الهامة التي تنطوي عليها، والتطبيقات التقنية المرتقبة من ورائها والتي يصعب اليوم تصور مداها وأثرها على الإنسانية.

ويأتي على رأس هذه العلوم علوم الاتصالات والمعلومات، والتي تضم الإلكترونات الدقيقة والليزر والألياف الضوئية وتقانة الفضاء، ثم المواد الجديدة، ثم صناعة الأدوية والكيماويات الدقيقة، وأخيراً التقانة الحيوية والهندسة الوراثية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال