الحكم ا لشرعي في التدخين.. أدلة تحريم التدخين. تبذير المال. الفتور في الجسم. رائحة الفم كريهة تؤذي الناس والملائكة

لم يكن التدخين معروفاً في عهد النبي (ص)، ولا في عهد الأئمة المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة، لذلك لم يرد التدخين في كتاب الله ولا في سنه رسول الله (ص)، كذلك لم يرد بشأنه حكما عند أئمة المذاهب الأربعة، وهذا لا يعني أنه ليس للتدخين حكم في دين الله، فقد قال ربنا جل وعلى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الأنعام38.
ولذلك نرى علماءنا بادروا إلى استنباط الحكم الشرعي للتدخين من القرآن والسنة منذ ظهوره.

ولم يكن ضرر التبغ على صحة الإنسان معروفاً منذ اكتشافه، وهذا كان سببا لاختلاف العلماء في حكمه، حتى ظهرت أضراره الخطيرة علي صحة الإنسان فاعتبرته منظمة الصحة العالمية وبـاء الـقرن، فالتدخين يقتل سنوياً أربعة ملايين شخص في العالم.

ولهذا أجمع جمهور العلماء الآن علي حرمة التدخين منهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ولجنة الفتوى بالأزهر.

معرفة حكم تحريم التدخين يساعد المدخنين على الإقلاع عنه من جهة، ويمنع الآخرين من الإقدام على استخدامه من جهة أخرى.

أدلة تحريم التدخين:

1- التدخين ضار بصحة الإنسان باتفاق علماء الطب، وكل ما كان كذلك يحرم اتفاقا:
التدخين ضار في ذاته، فهو من نبات التبغ السام، المحتوي على العديد من المواد الفتاكة السامة، وقد نفى علماء الطب وجود أي فائدة له.

والتدخين يسبب الكثير من الأمراض الخطيرة، بعض هذه الأمراض يكون سببا في كثير من حالات الوفاة.
وما كان كذلك حرم شرعاً وذلك لقوله تعالى: (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) الأعراف 157.
فالتدخين خبيث بضرره ورائحته.

وقال جل شأنه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء29.
وقال جل وعلا (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة195.
وقال الحبيب (ص): (لا ضرر ولا ضرار) أحمد.
وقال أيضا: (من تحسي سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا) متفق عليه.

لذلك نص العلماء على حرمة ما يضر الإنسان ووضعوا القاعدة: الأصل في المضار الحرمة.

2- التبغ من المواد التي تسبب الفتور في الجسم:
قالت أم سلمة رضي الله عنها: (نهى رسول الله (ص) عن كل مسكر ومفتر) أحمد.

3- التدخين يجعل رائحة الفم كريهة تؤذي الناس كما أنها تؤذي الملائكة:
قال رسول الله: (ص)« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره » البخاري.
وقال: (أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس) متفق عليه.
وقال أيضا: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليتعزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بينه) متفق عليه.

4- التدخين تبذير للمال:
التبذير هو إضاعة المال بلا فائدة والتدخين إضاعة المال في المضرة، وقد نهى ربنا عز وجل عن التبذير فقال جلا وعلا: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا(27) الإسراء.

إن التدخين يتسبب بإضاعة مئات الملايين من الدولارات كل عام، كما يتسبب بزيادة إنفاق الفرد على ما يضر ولا ينفع، وسوف نسأل يوم القيامة عن أموالنا، قال رسول الله (ص) "ما تزال قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه" الترمذي والبيهقي.

التدخين يكون أكثر حرمة في الحالات الآتية:
أ‌- ظهور ضرر التدخين علي شخص بعينه حسب وصف طبيب ثقة، أو حسب تجربة الشخص نفسه.
ب‌- أن يكون المدخن محتاجًا إلى المال لنفقته أو نفقة عياله، أو من تجب عليه نفقتهم شرعًا.
ت‌- موت الملايين من المسلمين من الجوع في حين ينفق المدخنين الملايين علي التدخين.
ث‌- أن يكون الدخان مستوردًا من بلاد تعادي المسلمين، ويذهب ثمنه لتقويتها على المسلمين.
ج‌- أن يصدر ولي الأمر الشرعي أمرًا بمنع التدخين، وطاعته واجبة فيما لا معصية فيه.
ح‌- أن يكون الشخص مقتدى به في علمه ودينه، مثل علماء الدين، ويقرب منهم الأطباء.
خ‌- تدخين النساء لأنه يشوه جمال المرأة، ويغير لون أسنانها، ويجعل رائحة فمها كريهة. مع ما يجب أن تكون عليه الأنثى من حسن وجمال.

حكم بيع الدخان والعمل في مصانع السجائر:
إن التدخين محرم شرعاً ولذلك يحرم تصنيعه وبيعه أو إهدائه، كما يحرم العمل في مصانع السجائر لأنه كل ذلك إعانة على المنكر ومساعدة على محرم.
قال الله تبارك وتعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة2.

فتوى دار الإفتاء المصرية:
أصدرت دار الإفتاء المصرية حكما شرعيا بالحرمة القطعية للتدخين وذلك في فتواها الصادرة في 25 جمادى الأولى 1420 هـ جاء فيها: "أن العلم قد قطع في عصرنا الحالي بأضرار استخدامات التبغ على النفس لما فيه من إسراف وتبذير نهى الله عنهما والله تعالى يقول (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) ويقول عز وجل (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن الله كان بكم رحيما).
الدكتور/ نصر فريد واصل- مفتي الجمهورية مصر العربية.

فتوى الشيخ ابن عثيمين:

السؤال: ما حكم شرب الدخان أو بيعه؟

الجواب: شرب الدخان محرم وكذلك بيعه وشراؤه وتأجير المحلات لمن يبيعه لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ودليل تحريمه قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) النساء 5.

ووجه الدلالة من ذلك إن الله تعالى نهى أن نؤتي السفهاء أموالنا لأن السفيه يتصرف فيها بما لا ينفع، وبين سبحانه وتعالى أن هذه الأموال قيام للناس لمصالح دينهم ودنياهم، وصرفها في الدخان ليس من مصالح الدين ولا من مصالح الدنيا، فيكون صرفها في ذلك منافيا لما جعله الله تعالى لعباده، ومن أدلة تحريمه قوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).

ووجه الدلالة من الآية أنه قد ثبت في الطب أن شرب الدخان سبب لأمراض مستعصية تئول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان، فيكون متناولها قد أتى سببا لهلاكه.
الشيخ ابن عثيمين.

فتوى الشيخ يوسف القرضاوي:

السؤال: تناقشت وزميل لي حول التدخين، وقلت له: إنه حرام، ولكنه قال لي هذا رأي فقهي، ومن الفقهاء من يرى أنه مكروه، فهل بعد ما ثبت ضرر التدخين يكون مكروها؟

الجواب: بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالاختلاف الذي نشأ بين الفقهاء عند ظهور التدخين، ليس خلافا في أدلة الأحكام، ولكنه خلاف حول ثبوت الضرر في التدخين أم لا، وثبوت الضرر في التدخين لا يرجع إلى الفقهاء، وإنما يرجع إلى الأطباء، وقد أثبت الطب أضرار التدخين.
ومن هنا فإن الخلاف في حكم التدخين يرتفع، ليكون هو الحرمة لثبوت الضرر، ولاتفاق الفقهاء أن ما ثبت ضرره ثبتت حرمته.
الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال