أحكام التداوي.. واجب على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره كالأمراض المعدية

عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء.

فتداووا ولا تتداووا بحرام"، أخرجه أبو داوود بسند صحيح. وقد حمل العلماء الأمر الوارد في هذا الحديث محمل الندب لا الوجوب لوجود أحاديث صحيحة تفيد إباحة التداوي أو تفضيل عدم التداوي.

وقد اختلف أهل العلم في حكم التداوي على أقوال أشهرها ما يلي:

القول الأوّل:

أن التداوي مباح وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفيَّة والمالكية والشافعية والحنابلة. وإن اختلفوا هل الأولى فعله أو تركه.

وأما من قال إن ترك التداوي أفضل ـ وربما عبروا عن ذلك بلفظ الكراهة ـ فغاية ما احتجّ به حديثان:

الحديث الأول:
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أرُيك امرأةً من أهل الجنة؟ قلت بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أُصْرَع، وإني أتكشّف، فادعُ الله لي. قال: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإنْ شئتِ دعوتُ اللهَ أن يعافيكِ) فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشّف، فادعُ الله لي ألاّ أتكشّف، فدعا لها.

والحديث الثاني:
ما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما الطويل، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (.. ثم رُفع لي سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب..) ثم فسّرهم بقوله: (همُ الذين لا يَسْترقون ولا يتطيّرون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون).

القول الثاني:

أنه واجب وهو قولٌ لبعض الحنابلة.
وحصره بعض أهل العلم فيما إذا علم تحقق الشفاء.

وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي الدولي بأن التداوي يختلف حكمه باختلاف الأحوال والأشخاص.
فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره كالأمراض المعدية.

ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق في الحالة الأولى.
ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين.
ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها.

وذكر الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين أسبابا دعت بعض الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى ترك التداوي، منها:

1- أن يكون المريض قد علم بقرائن الأحوال أن مرضه مرض الموت، وأن الدواء بالتالي لا ينفعه، وهو ما حدث لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

2- أن يكون مشغولا بمآله وخوف عاقبته حتى ينسيه ألم المرض. (مثل ما نقل عن أبي ذر الغفاري).

3- العلة مزمنة ويغلب على الظن عدم نفع الدواء. قال الغزالي: "واكثر من ترك التداوي من العباد والزهاد هذا مستندهم".

4- لينال ثواب الصبر على البلاء، وهو يطيقه وتكفير الذنوب لمن أسرف على نفسه.

5- لمن يعرف في نفسه الأشر والبطر ونسيان النعمة عند الصحة وحلول العافية، فإذا جاء المرض عرف ربه والتجأ إليه، فيترك التداوي حتى لا تعاوده الغفلة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال