رفض أحد الوالدين علاج الصغير.. التصرف القانوني للطبيب إزاء رفض ولي القاصر تلقي العلاج

قد يحدث خلاف بين الوالدين بشأن علاج طفلهما، بحيث يوافق عليه أحدهما في حين يرفضه الآخر.
ويرى بعض القانونيين أنه لا خلاف في إباحة عمل الطبيب في الحالات التي لا ينطوي التدخل الطبي على مساس جسيم بسلامة الصغير، وما دام التدخل في مصلحته.
أما في غيرها من الحالات، فيرى البعض وجوب مراعاة إرادة الوالدين معا، ومن ثم وجوب محاولة إقناعهما معا..
واتجه رأي آخر إلى وجوب التفرقة بين ما إذا كان الرفض من الأب أو من الأم. ففي حالة موافقة الأب، فقد يكون التدخل مشروعا بالنسبة للطبيب، باعتبار أن الأب هو الولي الشرعي للصغير.. وهو المسؤول الأول عن كل أفراد العائلة.
أما إذا رفض الأب ووافقت الأم فلا يكون تدخل الطبيب مشروعا عند عدد من القانونيين إلا إذا توفرت مجموعة من الشروط أهمها: أن تكون احتمالات النجاح مؤكدة، وأن يتخذ الطبيب المعالج جميع الاحتياطات اللازمة لتحقيقة مصلحة الصغير، كأن يسترشد برأي أطباء آخرين أكثر خبرة للتأكد من ضرورة التدخل.
ويرى البعض أنه ليس ثمة إشكال إذا تدخل الطبيب في حالة الاستعجال التي تتطلب التدخل السريع، على النحو الذي سبق بيانه، لأن الطبيب ملزم بإنقاذ حياة الصغير ولو رفض الوالدان.
ولعل العبرة تكون بموافقة الأب باعتباره الولي الشرعي، وفي حالة غيابه تحل محله الأم. فإذا رفض الأب التدخل الطبي، فينبغي البحث عن أسباب هذا الرفض، فإذا كانت أسباب الرفض جدية - كما هو الحال عندما تكون نتائج التدخل غير مضمونة، أو فيها من الخطورة ما يسيء إلى مصلحة الصغير، فلا بد من وجوب الانصياع لرفض الوالد.
أما إذا كانت أسباب الرفض غير جدية، كأن يبني رفضه على اعتبارات مالية أو معتقدات اجتماعية، أو دينية، فربما يكفي في هذه الحالة موافقة الأم إذا كان التدخل الطبي يخدم مصلحة الصغير سواء في مجال الوقاية أو العلاج.
وفي كافة الأحوال الأخرى التي تنطوي فيها التدخلات الطبية على خطورة جسيمة يتعين على الطبيب التريث للحصول على موافقة الوالدين.
أما في حالة الطلاق، فإن واجب الرعاية الصحية يقع على الشخص الذي أسندت إليه حضانة الطفل، غير أنه إذا تعلق الأمر بتدخلات طبية فيها مساس جسيم بالسلامة البدنية للطفل المحضون، وكان الصغير في حضانة الأم، فالأصل هو وجوب الحصول على موافقة الوالدين معا، إلا إذا كان أحدهما غائبا.

ماذا يفعل الطبيب (قانونياً) إزاء رفض ولي القاصر؟
إذا ُوجد الطبيب أمام شخص يرفض، لأسباب طبية أو دينية، السماح بتقديم العلاج لقاصر يحتاج إليه، فكيف يتصرف؟
لا شك في أن من واجب الطبيب أن يسعى لتذليل هذه المعارضة للحصول على موافقة الوالدين، أو على الأقل عدم معارضتهما، والتبصير الدقيق إضافة إلى الحوار الصبور الذي يظهر في آن واحد الاحترام والحزم، يمكن أن يتغلبا على المقاومة العنيدة.
وإذا استمر رفض الوالدين، رغم كل التبصير والتحذير من عواقب الأمور في الأمور المستعجلة، فنحن بصدد أحد احتمالين: إما أن يتصرف الطبيب بنفسه، وإما أن يرفع الأمر إلى النيابة ومنها إلى القضاء.

أ- تصرف الطبيب بنفسه: 
إذا تمسك الوالدان بالرفض، فلا يمكن القول بأن الطبيب يمكنه، في جميع الفروض، أن يضرب صفحا عن رضاء الوالدين، ويتدخل لتقديم العلاج.
فالالتزام بالحصول على الرضاء يظل هو الأصل الذي تفرضه قواعد أخلاقيات المهنة.
ويؤكده العقد الذي يربط بين الطبيب وبين أهل المريض.
ولذلك فإنه يتعين على الطبيب أن يميز، وفقا لظروف الحالة، فيما إذا كان العلاج المرفوض يمكن تجنبه أو تأجيله، أو أنه أمر ضروري لا سبيل للاستغناء عنه.
فعندما لا يكون العلاج المرفوض أمراً ضروريا في الحال، فإن معارضة الوالدين لهذا العمل لا يمكن إدانتها من حيث المبدأ.
ومن ثم فإنه يجب على الطبيب أن يحترم سلطة الوالدين ويذعن لرفضهما.
ولكن ماذا لو كان العمل الطبي الذي يرفضه الوالدان لا تفرضه ضرورة ملحة في الحال، ولكن عدم القيام به يمثل خطراً على الصغير في المستقبل، كما لو رفض الوالدان تلقيح الصغير ضد شلل الأطفال والكزاز وغيرها؟.
لا نعتقد أن باستطاعة الطبيب، إذا عجز عن إقناع الوالدين بأهمية التلقيح وخطورة إهماله أن يقوم بهذا العمل ضد إرادتهما، إنما يمكن أن تكون هذه إحدى الحالات التي يفضّل أن يحيلها إلى القضاء.
ولكن هناك حالات يكون العلاج أو نقل الدم فيها أمرا حيويا بالنسبة للصغير، كأن يكون من الضروري إجراء جراحة تستدعي نقل دم إليه، أو يكون مولودا جديدا لا تتوافق فصيلة دمه مع فصيلة دم الأم، مما يستلزم على وجه الاستعجال نقل دم إليه.
لا شك أنه في مثل تلك الحالات يكون من الواجب الاعتراف للطبيب بسلطة واسعة إزاء رفض الوالدين.
 ولكن قبل الحديث عن هذه السلطة يتعين فهم معنى الضرورة التي تجيز للطبيب تخطّي معارضة الوالدين.
فالمقصود بالضرورة هنا هو أن يكون العلاج أو نقل الدم وسيلة وحيدة لإنقاذ حياة الصغير أو سلامته البدنية.
ولذلك فإنه إذا وجدت وسائل علاجية أخرى تؤدي نفس الغاية، ولو كانت أكثر تكلفة ومشقة فإنه يتعين على الطبيب إحلالها محل العلاج المرفوض.
كذلك ينبغي استبعاد هذا العلاج إذا كان مجرد وسيلة لتحسين حالة المريض، ولم يكن ضرورة لإنقاذ حياته أو سلامته البدنية.
فإذا أصبح العلاج المقترح ضرورةً بالمعنى المتقدم فإنه يكون من حق الطبيب، بل ومن واجبه، أن يتخطى معارضة الوالدين.
فعندما تكون المسألة متعلقة بحياة الصغير أو موته، فإن هذه المعارضة تصبح عديمة القيمة أو التأثير، وذلك لأن سلطة الوالدين هي عبارة عن وظيفة تهدف ممارستها إلى تحقيق مصلحة الصغير، فهي وسيلة لحماية صحة الصغير وأخلاقه.
فإذا تحولت هذه السلطة من خلال الانحراف في الممارسة إلى وسيلة للإضرار بالصغير، فإن الطبيب يجب أن يضرب صفحاً عنها.
ومن جهة أخرى، فإنه من غير المقبول إقحام الطفل في معتقدات دينية أو فلسفية ليس مهيئا لإبداء رأيه فيها.
فهذه المعتقدات تخص أصحابها، ولا يجوز أن ينسحب تأثيرها على الآخرين ، ليصبح التمسك بها وسيلة لتهديد حياتهم.
ولا يصح أن يكون ثمن انصياع الوالدين لواجب أخلاقي أو عقدي هو المساس بحياة الصغير الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا.
يضاف إلى ذلك أن الطبيب الذي يمتنع عن تقديم العلاج الضروري لإنقاذ حياة الطفل ، حتى لو كان ذلك انصياعاً لرفض والديه، يكون عرضة للمساءلة الجنائية.
فاحترام الطبيب لرفض الوالدين، وقبوله وفاة الطفل أو تعرضه للمخاطر، يجعله عرضة للجزاء الجنائي، ونفس الاتهام يمكن أن ُيوجه للوالدين، لأنهما بالإصرار على رفض العلاج يرتكبان أيضا جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر.
فإذا قرر الطبيب التدخل لاقتناعه بضرورة العلاج الذي يرفضه الوالدان، فإن السؤال يثار عن الكيفية التي ينفّذ بها تدخله ، فقد يقترح البعض أن يباشر الطبيب العلاج سراً – كأن يقوم بنقل الدم سراً - وينكر ذلك أمام الوالدين.
ويمكن للطبيب كذلك أن ينتهز فرصة وجود المريض تحت التخدير، ويقوم بإعطائه العلاج محتجاً بعدم استطاعته - بسبب حالة الاستعجال - الحصول على الرضاء في الوقت المناسب.
ولكن يصعب قبول هذه الوسائل لما تتضمنه من خداع للوالدين، حتى لو كان الهدف منها تحقيق مصلحة الغير.
وقد يقوم الطبيب، بعد الحصول على تأييد زميل آخر إلى تطبيق العلاج رغم معارضة الوالدين، ولو أدى به ذلك إلى التعسف في استخدام سلطته.
وينبغي أن يكون الطبيب حريصاً في خروجه على إرادة الوالدين، بحيث لا يفعل ذلك إلا في حالة الاستعجال القصوى، أي عندما تكون حياة الصغير أو سلامته مهددة بخطر جسيم، لا سبيل لإنقاذه منه إلا بإجراء العمل الطبي اللازم.
كما أن فرض الطبيب لإرادته يفترض أن يكون قد بذل مسبقا كل ما في وسعه، بما في ذلك الاستعانة بزميل آخر، لإقناع الوالدين بخطورة الموقف ، وبضرورة العمل المراد إجراؤه.
فإذا تحقق هذان الشرطان، فإن الطبيب قد يلجأ إلى أي أسلوب يراه ملائما لإنقاذ حياة الطفل، ولو استدعى ذلك استعمال الحيلة أو الترهيب، أو أي طريقة ملائمة أخرى.
فأمام نبْل النتيجة المبتغاة وهي إنقاذ نفس بريئة،تتضاءل الاعتراضات على الوسائل المستخدمة.

ب- الاستعانة بالقضاء:
إذا كان العمل الطبي على ضرورته وحيويته بالنسبة للصغير، يحتمل التأجيل لبعض الوقت، ربما ليوم أو لبضع ساعات مثلا، فإن الطبيب قد يجد مصلحته في إخطار النائب العام حتى يحصل على سند قانوني لتدخّله، بل إنه حتى في حالات الاستعجال فإن بعض الأطباء يترددون في مباشرة عمل طبي له خطورته ويدفعهم الحذر إلى رفع الأمر إلى النيابة العامة.
ويزيد التردد ما يعلنه بعض القانونيين من أن الطبيب لا يمكنه أن يفرض على الطفل عناية طبية، حتى لو كانت لمصلحته، يرفضها الوالدان.
ويقوم النائب العام عادة بإحاطة قاضي الأطفال علماً بظروف الواقعة.
ويأمر قاضي الأطفال بما يكفل تخطي معارضة الوالدين، وتقديم أي علاج طبي ضروري للحفاظ على حياة الطفل أو صحته.
ويمكن للقاضي أن ُيصدر أمرا ينزع الطفل من حضانة والديه، وتسليمه إلى مركز طبي، مع الترخيص للأطباء بإجراء العمل الطبي الذي تستلزمه حالته.
ولكن الشائع هو أن يصرّح القاضي مباشرة للطبيب الذي طلب الترخيص بأن يقوم بالعمل المطلوب.

والخلاصة:
أنه إزاء رفض الوالدين لعمل علاج يبدو ضرورياً بالنسبة للقاصر، فإن مشكلة رفض ولي الأمر للعلاج يمكن أن تحل على أساس التفرقة بين فرضين:
- الأول: إذا كان العمل الطبي الذي يلزم إخضاع القاصر له عملا عاجلا لا يحتمل التأخير، وإلا تعرضت حياة القاصر للخطر، فعندئذ يكفي الاستعجال بذاته مبررا للقيام بالعمل، حتى لو كان ولي الأمر يرفضه، فيقوم الطبيب بمباشرة العمل فوراً، وذلك لوجود ظروف استعجال لا تحتمل التأخير، ويخشى معها على حياة المريض.
- الثاني: أن يكون العمل برغم ضرورته، يحتمل التأجيل لبعض الوقت، وهنا يستطيع الطبيب أن ُيخطر النائب العام الذي يحيل الأمر بدوره إلى قاضي الأطفال لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال