في يوم من أيام السبت حمل الأب ابنه الذي كان قد ُولد لتوّه في إحدى المستشفيات.. فاكتشف الطبيب أن الطفل في حاجة لنقل دم سريع.. إلا أن الطبيب فوجئ برفض والد المريض عملية نقل الدم رفضا قاطعا، لانتمائه إلى إحدى طوائف الديانة اليهودية التي تحرم ذلك "شهود يهوه".
وعلى الرغم من جهود الطبيب في شرح الآثار الخطيرة على صحة الطفل، وموته المؤكد، وتوسلاته إلى أبيه، إلا أن الأخير أصر على رفضه..
وجد الطبيب نفسه في موقف لا يحسد عليه.. اتصل بإدارة المستشفى التي لم تعطه إجابة محددة.. ونصحتْه بأن يتصل بقسم الشرطة.. الذي اتصل له بدوره بالنائب العام.. حيث أبلغه الأخير بأن النيابة العامة لا تستطيع أن تمنع عملا طبيا ولا أن تأمر به".
ولم يكن أمام الطبيب في هذه الحالة سوى أن يختار بين أربعة حلول:
1- أن يمتثل لاعتراض الأب، فلا يجري عملية النقل.. وهو حل يشكل صدمة عنيفة للضمير الطبي، خاصة عندما يفكر المرء في عواقبه المرعبة.
علاوة على أن مثل هذا الموقف يمكن أن ُيفسَّر من قبل القضاء على أنه تقصير في العلاج.!!
2- أن ُيجري عملية نقل الدم دون أن يخبر والد الطفل، أو حتى يؤكد له أن لن يجريها.. وهو حل يشكل صدمة عنيفة للأخلاق. علاوة على أن أي خطأ يمكن أن يحدث أثناء نقل الدم - وإن كان نادر الحدوث - يمكن أن يؤدي إلى لوم الطبيب الذي قام بهذا العمل رغم اعتراض الوالدين!!.
3- أن يبصِّره بخطورة عدم نقل الدم لابنه، ويتركه يرحل به إن أراد. إلا أن هذا الأب يمكن رغم ذلك أن يقاضي الطبيب بتهمة عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر..
4- تقرير إجراء نقل الدم، وإعلان ذلك بصفة رسمية، أو إخطار الإدارة به.. والاستعداد لاعتراض والد الطفل بالقوة إن هو حاول انتزاعه.. وهذا هو الحل الذي استحسنه، وإن كان قد لقي اعتراضا من الإدارة..
وأخيراً طلب هذا الطبيب من الأستاذ "كورنبروست" - وهو الذي نشر مقالات عديدة عن حق المريض في رفض العلاج - عن وجهة نظره حول ما يمكن عمله في هذه الحالة، والتي يمكن أن تعترض الطبيب في أي مكان وزمان.
وبعد أن اعترف الأستاذ كرونبروست بصعوبة هذه المشكلة التي تضع الطبيب في موقف بالغ الحرج.. أقر بأن القانون يجب أن يتوقف أمام الأدبيات الطبية.. وأن هذا القرار الذي اتُخذ بوعي وضمير من الطبيب أو الجراح يجب أن يكون بمنأى عن كل نقد من قبل القضاء، طالما أنه قرار مبرر من وجهة النظر العلمية.
ورجّح القانون الفرنسي - في هذه الواقعة - رأي الطبيب في ألا يخبر والديّ الطفل بأنه سوف يقوم بعملية نقل الدم، بل له أن يؤكد لهما أنه لن يقوم بها.. وذلك على الرغم من أن مثل هذا الموقف من الطبيب، سوق يصدم أدبيات المهنة.
أما في الحالة التي لا يمْثل فيها خطر الموت، فعلى الطبيب أن يمتنع عن إجراء الجراحة احتراما لإرادة المريض.
وقد رأى بعض القانونيين أنه في حالة الطفل الذي رفض والداه نقل الدم له، فإن الخيار للطبيب، لأن المسألة لا تعدو أن تكون وسيلة علاج.. وأنه يمكن في حالة الإصرار من قبل الوالدين اللجوء إلى النائب العام أو قاضي الأطفال - إذا كان الوقت يسمح باللجوء إليهما-.
وإذا باءت كل محاولات الطبيب بالفشل، فلا مناص أمام هذا الخطر الداهم من أن يكون للطبيب كل الحق في أن يتبع وسيلة العلاج الوحيدة التي من شأنها شفاؤه بإذن الله تعالى، وذلك في إطار تطابق إرادته مع إرادة والديّ الطفل، ذلك التطابق الذي حدث بمجرد تسليمهم الطفل له لعلاجه.
ولكن يبقى التساؤل قائما عما إذا كان هذا الحق الذي ثبت للطبيب، يخوِّله أن يعترض بالقوة، رغبةَ والد الطفل في استرداده أو انتزاعه من بين يديه؟
ومما لا شك فيه أن الطبيب الذي اضطَّلع بكل واجبه على هذا النحو، لا ُيعتبر خالف مقتضى الحكمة والعقل، إن هو ترك الطفل للمصير الذي جاهد من أجل إبعاده عنه. والذي عملتْ على إخفاقه إرادةٌ غليظة قاسية من الأب..
إلا أن بعض القانونيين رفض أن يسلّم للسلطة الأبوية بحق الموت على الطفل، ووصفها بأنها سلطة مدمّرة، ومن ثم يجب مقاومتها. وأشار هؤلاء إلى قضية مشابهة حدثت في القضاء الأوروبي.. حيث أثارت حيثيات الحكم إعجاب الجميع.. وكانت تتعلق بأم لأربعة أطفال رفضت إجراء جراحة تستلزم إجراءها بصفة مستعجلة وذلك لاعتقاد ديني.
ولما لم ُيصغ إليها الجرّاح قاضتْه، واحتكمت المحكمة إلى العقل والمنطق، وقالت: إن هذه السيدة ليست حرّة في أن تموت لاعتقاد ديني.. إنها يجب أن تعيش من أجل أطفالها الأربعة وزوجها!!.
التسميات
مسؤولية طبية