امتصاص السكريات في الأمعاء الدقيقة: من الهضم في الفم والبنكرياس إلى النقل عبر الخلايا واستخدامها كمصدر للطاقة

امتصاص السكريات في الأمعاء الدقيقة:

يُعتبر امتصاص السكريات في الأمعاء الدقيقة عملية حيوية تُمكّن الجسم من الحصول على الطاقة اللازمة لوظائفه المختلفة. يتم خلال هذه العملية تحويل الكربوهيدرات المعقدة إلى سكريات بسيطة (أحادية) قابلة للامتصاص عبر جدار الأمعاء إلى مجرى الدم. إليك شرح مُفصّل لهذه العملية:

مراحل هضم الكربوهيدرات قبل الوصول إلى الأمعاء الدقيقة:

  • الـفـم: تبدأ عملية هضم الكربوهيدرات في الفم عن طريق إنزيم الأميليز اللعابي الذي يُفرز مع اللعاب. يُحوّل هذا الإنزيم النشا (وهو كربوهيدرات مُعقد) إلى جزيئات أصغر تُسمى الدكسترينات.
  • المعدة: يتوقف عمل إنزيم الأميليز اللعابي في المعدة بسبب حموضة المعدة العالية.

عملية هضم وامتصاص السكريات في الأمعاء الدقيقة:

عند وصول الكيموس (مزيج الطعام المهضوم جزئيًا) من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة، تُستكمل عملية هضم الكربوهيدرات وامتصاصها على النحو التالي:

1. هضم الكربوهيدرات بواسطة إنزيمات البنكرياس:

يُفرز البنكرياس إنزيم الأميليز البنكرياسي إلى الأمعاء الدقيقة، والذي يُواصل تكسير الدكسترينات إلى سكريات ثنائية، مثل المالتوز واللاكتوز والسكروز.

2. هضم السكريات الثنائية بواسطة إنزيمات الفرشاة الحدودية:

تُوجد على سطح الخلايا المُبطنة للأمعاء الدقيقة إنزيمات تُسمى إنزيمات الفرشاة الحدودية (Brush Border Enzymes)، وهي المسؤولة عن تكسير السكريات الثنائية إلى سكريات أحادية:
  • المالتاز: يُحوّل المالتوز إلى جلوكوز.
  • اللاكتاز: يُحوّل اللاكتوز (سكر الحليب) إلى جلوكوز وجلاكتوز.
  • السكراز: يُحوّل السكروز (سكر المائدة) إلى جلوكوز وفركتوز.

3. امتصاص السكريات الأحادية:

يتم امتصاص السكريات الأحادية (الجلوكوز والجلاكتوز والفركتوز) عبر الخلايا المُبطنة للأمعاء الدقيقة إلى مجرى الدم من خلال آليتين رئيسيتين:
  • النقل النشط الثانوي (Secondary Active Transport): يتم امتصاص الجلوكوز والجلاكتوز بشكل أساسي بهذه الآلية، حيث يتم نقلهما بالتزامن مع أيونات الصوديوم عبر ناقل بروتيني يُسمى SGLT1 (Sodium-Glucose Linked Transporter 1). يعتمد هذا النقل على مُنحدَر تركيز الصوديوم، الذي يتم الحفاظ عليه بواسطة مضخة الصوديوم والبوتاسيوم (Na+/K+ ATPase) التي تستهلك الطاقة (ATP).
  • النقل المُسهّل (Facilitated Diffusion): يتم امتصاص الفركتوز بهذه الآلية عبر ناقل بروتيني يُسمى GLUT5 (Glucose Transporter 5). لا يتطلب هذا النقل استهلاك طاقة مباشرة، ولكنه يعتمد على مُنحدَر التركيز.

4. انتقال السكريات الأحادية إلى مجرى الدم:

بعد امتصاص السكريات الأحادية داخل الخلايا المُبطنة للأمعاء الدقيقة، تنتقل عبر ناقل بروتيني آخر يُسمى GLUT2 إلى الأوعية الدموية الشعرية الموجودة في جدار الأمعاء، ومنها إلى الوريد البابي الكبدي الذي ينقلها إلى الكبد.

مصير السكريات الأحادية بعد الامتصاص:

  • الكبد: يُعتبر الكبد العضو الرئيسي الذي يستقبل السكريات الأحادية بعد امتصاصها. يُحوّل الكبد الجلاكتوز والفركتوز إلى جلوكوز، الذي يُمكن استخدامه مباشرة لإنتاج الطاقة أو تخزينه على شكل جليكوجين.
  • باقي الجسم: ينتقل الجلوكوز من الكبد إلى باقي أنحاء الجسم عبر مجرى الدم، حيث يُستخدم كمصدر طاقة للخلايا والأنسجة المختلفة.

العوامل المؤثرة على امتصاص السكريات:

  • نوع السكر: تختلف سرعة امتصاص السكريات باختلاف نوعها. تُمتص السكريات الأحادية بشكل أسرع من السكريات الثنائية والمعقدة.
  • وجود الألياف الغذائية: تُبطئ الألياف الغذائية من عملية هضم وامتصاص السكريات، مما يُساعد على تنظيم مستوى السكر في الدم.
  • حالة الجهاز الهضمي: تُؤثر بعض الأمراض والاضطرابات الهضمية على امتصاص السكريات، مثل مرض السيلياك ونقص إنزيم اللاكتاز (عدم تحمل اللاكتوز).

أهمية امتصاص السكريات:

يُعتبر امتصاص السكريات ضروريًا لتوفير الطاقة اللازمة لوظائف الجسم المختلفة، مثل:
  • تزويد الخلايا بالطاقة: يُعتبر الجلوكوز المصدر الرئيسي للطاقة لخلايا الجسم، وخاصة خلايا الدماغ والجهاز العصبي.
  • القيام بالأنشطة البدنية: تُستخدم الكربوهيدرات كمصدر وقود سريع للطاقة أثناء ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية.
  • الحفاظ على وظائف الأعضاء الحيوية: تحتاج الأعضاء الحيوية، مثل القلب والكبد والكلى، إلى طاقة مُستمرة للقيام بوظائفها بشكل صحيح.

خاتمة:

باختصار، يُعد امتصاص السكريات في الأمعاء الدقيقة عملية مُعقدة ومنظمة بدقة، تضمن حصول الجسم على الطاقة اللازمة لوظائفه الحيوية. أي خلل في هذه العملية يُمكن أن يُؤدي إلى مشاكل صحية مختلفة، مثل ارتفاع أو انخفاض مستوى السكر في الدم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال