الترغيب في الحمل وإنجاب الأولاد.. إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثةٍ إلا من صدقة جارية أو علمٍ يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له

إن من نعم الله عز وجل التي امتن بها على خلقه: إنجاب الأولاد، تلك النعمة العظيمة المستوجبة لشكر الله، قال تعالى: (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً)، وقال تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنينَ وحفدةً)، وهم: الولد وولد الولد.
وإنجاب الأولاد من أهم ما يطلبه الناس، ويسعون إليه منذ القدم، حتى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وسائر عباد الله الصالحين، وسيبقى الناس كذلك ما سلمت فطرة الإنسان، قال تعالى (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكُن إليها فلمَّا تغشَّاها حملت حملاً خفيفاً فمرَّت به فلمَّا أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشَّاكرين).
فالأولاد نعمة تتعلق بها قلوب الناس وترجوها؛ لتأنس بها من الوحشة، وتقوى بها عند الوحدة، وتكون قُرة عين لها في الدنيا والآخرة؛ ولذا طلبها الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ودعا بها، فقال: (ربِّ هب لي من الصالحين)، وكذلك زكريا عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى عنه: (وزكريا إذ نادى ربَّهُ ربِّ لا تذرني فرداً وأنتَ خيُر الوارثين)، وقال: (فهب لي من لدنك ولياً يرثُني ويرثُ من آل يعقوب واجعله ربِّي رضياً)، وقال تعالى: (هنالك دعا زكريا ربَّهُ قال ربِّ هب لي من لدُنكَ ذُريَّةً طيبةً إنك سميعُ الدُعاء)، وهكذا شأن عباد الله الصالحين الذين أثنى الله عليهم بقوله سبحانه: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً).
والولد من الآيات التي جعلها الله بين الزوجين ، ودعانا إلى التفكر فيها، كما في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، فإن المراد بالرحمة في الآية: الولد في قول بعض المفسرين، فالولد رحمة ومن أجله يتراحم الزوجان؛ ولذا فإن إنجاب الأولاد يُقوي العلاقة والرابطة بين الزوجين، كما إن الإنجاب يُشبع غريزة الأمومة والأبوية.
وحُب الولد والميل إليه من الأمور التي فُطر عليها الإنسان، قال تعالى: (زُيِّن للناس حُب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل ..).
وقد شرع الإسلام للزوجين قصد إنجاب الأولاد، ورغَّبهم في السعي لتحصيلهم، وبيَّن أنهم زينة الحياة الدنيا، فقال تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) أي من الولد، وقال عز وجل: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثَكُم أنَّى شئتم وقدِّموا لأنفسكم) قيل هو: ابتغاء الولد والنسل، وقال سبحانه وتعالى: (المالُ والبنونَ زِينةُ الحياةِ الدُّنيا)، وقد قال النبيُ صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه بعد أن تزوج: (إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك ، حتى تّستحدَّ المغِيبةُ وتمتشطَ الشعِثةُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فعليك بالكيَس الكيَس)، والمراد بالكيَس: طلب  الولد.
واهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالإنجاب، فدعا لأبي طلحة رضي الله عنه بأن تحمل زوجته بعد وفاة ابناً له، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعرستم الليلة؟ قال نعم قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما فولدت غلاماً ..)، وفي هذا دليلٌ على أن البركة والثمرة المرجوة من اتصال الزوج بزوجته هي حصول الولد، كما أن فيه إشارة إلى: مشروعية قصد الولد والترغيب في تحصيله، ويدل على ذلك أيضاً: قصة سليمان عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفنَّ الليلة على مائةِ امرأةٍ كلهنَّ يأتي بفارسٍ يُجاهدُ في سبيل الله ..).
ومن الأدلة على الترغيب في الحمل وإنجاب الأولاد، والأجر في ذلك: ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثةٍ إلا من صدقة جارية أو علمٍ يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له) أخرجه  مسلم، حيث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الولد ذكراً كان أو أُنثى هو من العمل الصالح الذي يبقى للإنسان، ويستمر الانتفاع به بعد الموت وانقطاع العمل، ولا يُتوصل إلى هذا إلا بالنكاح.
وورد في حديث مرسل: (اطلبوا الولد والتمسوه فإنه ثمرة القلوب، وقُرة الأعين، وإياكم والعاقر)، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: والله إني لأُكره نفسي على الجماع رجاء أن يُخرج الله مني نسمة تُسبِّح الله.
وعن القاضي عياض أنه قال: النكاح مندوب إليه في حق كل من يُرجى منه النسل ، ولو لم يكن له في الوطء شهوة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال