التشخيص الطبي.. العمل الذي يحدد من خلاله الطبيب المرض، بحصر خصائصه، أعراضه وأسبابه، ويحدد مخاطر حدوث المرض بدلالة ميولات واستعدادات المريض

تعتبر مرحلة التشخيص البداية في علاقة الطبيب بمريضه، والعمل الطبي يعتمد على صحة التشخيص وسلامته، وإذا فشل فقد تصبح الأعمال اللاحقة وخصوصا العلاج الموصوف خاطئة أيضا، وعلى الطبيب أن يبذل في التشخيص العناية اليَقِظَة، إذ عليه أن يستمع إلى شكوى المريض وأن يأخذ منه ومن أهله كافة المعلومات التي يحتاج إليها، ثم يبدأ بفحص المريض بشكل دقيق لمواضع الألم ومواطنه مستعملا جميع الوسائل التي يضعها العلم تحت تصرفه، بحيث يكون رأيه في التشخيص بعيدا عن الغلط قدر الإمكان.

ويعرّف التشخيص بأنه العمل الذي يحدد من خلاله الطبيب المرض، بحصر خصائصه، أعراضه وأسبابه، ويحدد مخاطر حدوث المرض بدلالة ميولات واستعدادات المريض. وغير بعيد عن هذه الفكرة، ذهب القضاء الفرنسي إلى أن التشخيص هو العمل الذي يحدد الأمراض بعد معرفة أعراضها.

وتكتسي عملية تشخيص الحالة المرضية للمريض أهمية بالغة، فعلى أساسها يتم تحديد طبيعة المرض ووضعه في الإطار المناسب له، فالتشخيص هو عملية فكرية معقدة، من خلالها يتعرف على المرض انطلاقا من الأعراض التي يعانيها المريض.

ويفترض على الطبيب أن يبذل عناية الرجل اليقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول، وكان مماثلا له في الشهادة والتخصص وفي الظروف العامة الموجودة. وعلى الطبيب كذلك أن يعتمد في تشخيصه كافة الوسائل والتجهيزات الطبية الضرورية، واستعمال الطرق العلمية الجاري العمل بها عند الأطباء. وله الاستعانة بزملائه الأكثر تخصصا، إذا ما ثارت شكوكه حول طبيعة المرض.

والحقيقة أن مهمة الأطباء في التشخيص ليست بالهينة، فكثيرا ما تتشابه الأعراض المرضية، ويعجز الطبيب عن معرفة التشخيص السليم، بل أن أمهر الأطباء وأكبرهم لم يسلموا من الغلط في التشخيص، على الرغم من ممارستهم الطب لسنوات طويلة.

والتشخيص متصل بفن الطب وصنعته، فهو ثمرة تفسير شخصي جدا للوقائع، لذلك ذهب القضاء الفرنسي إلى أن مجرد الغلط (l’erreur) في التشخيص لا يشكل من حيث المبدأ خطأ تقوم به مسؤولية الطبيب. وبالتالي فلا مسؤولية للطبيب عن غلطه في التشخيص الذي يقع فيه بالرغم من إتباعه للأصول الفنية، واستعانته بجميع الوسائل الطبية المتيسرة.

كما يجب القول بأن العلوم الطبية لا زالت في تطور مستمر، وأن طرق التشخيص والعلاج محل خلاف بين العلماء، وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه طالما كنا بصدد حالة مازالت أمام البحث العلمي، فإن الطبيب لا يسأل إذا كان الخطأ في التشخيص راجعا إلى مفاضلة رأي علمي على آخر.

وقد اهتم القانون الفرنسي بالتشخيص كعمل طبي، يترتب على من يقوم به بشكل غير مشروع المسؤولية الجزائية بالممارسة غير المشروعة للطب، حيث يمكن استخلاص كيفية القيام بالتشخيص من خلال نص المادة (L.4161-1) من قانون الصحة العمومية، حيث يمكن أن يتم بأعمال شخصية، استشارات شفوية أو مكتوبة وكل طريقة مهما كانت. ونظرا لأهمية التشخيص في الكشف عن الأمراض والإصابات الخطيرة، جعله المشرع الفرنسي إجباريا قبل ولادة الجنين، وهذا توقيا لأي عارض يهدد سلامته حال الحمل، أو بعده بالنسبة للطفل.

أما المشرع الجزائري فقد خول الطبيب الحق في القيام بكل أعمال التشخيص، مع مراعاة اختصاصاته وإمكانياته. كما حث الأطباء والمهنيين الذين يعملون لحسابهم الخاص على استعمال الوسائل والتجهيزات الضرورية لمهنتهم، شرط ألا يعرضوا صحة المريض أو شرف المهنة للخطر.

إن هذا التشجيع على استعمال الوسائل والتجهيزات الطبية يرافقه تحذير هام يخص أعضاء السلك الطبي، العموميين والخواص، بعدم اللجوء لأساليب تشخيصية أو علاجية غير مؤكدة.

وذهبت المحكمة العليا في الجزائر إلى اعتبار التشخيص من المراحل الأولى للعمل الطبي، حيث قضت بمسؤولية الطبيب الذي حقن مريضة بالأنسولين دون كشف مدى قابليتها لذلك.

وخلاصة القول أن التشخيص مرحلة هامة في حياة العمل الطبي، ويتوقف على صحته ودقته نجاح العلاج وشفاء المريض، كما يسمح التشخيص الجيد في معرفة العلاج الواجب الإتباع.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال