العمل الطبي في القضاء الجزائري.. إجراء التحاليل الطبية والبيولوجية اللازمة مكملا لعملية التشخيص وسابقا للبدء في وصف العلاج المناسب

لم يفصح القضاء الجزائري صراحة عن موقفه من مفهوم العمل الطبي، حسب الأحكام القليلة أو النادرة التي تحصلنا عليها، غير أن الأمر يتعلق باستنباط رؤيته من خلالها.

- فبداية يعتبر التشخيص من صميم الأعمال الطبية، التي تقيم مسؤولية الطبيب، إذا ثبت إخلاله به، خطؤه فيه أو امتناعه عنه.

وفي هذا الشأن قضت المحكمة العليا بمسؤولية الطبيب الذي حقن مريضة بمادة الأنسولين دون تحليل سابق حول مدى قابليتها لذلك. أي أنه لم يقم بتشخيص أولي لنوع السكري المصابة به، وفيما إذا كان علاجه يتطلب الحقن أم لا.

- كما ذهبت المحكمة العليا في قرار آخر إلى أن أمر الطبيب بحقن المريض بمادة (Pénicilline) مما أدى إلى وفاته هو إهمال مؤدي للقتل الخطأ، يستوجب المسؤولية الجزائية طبقا لنص المادة (288) ق.ع.

- ويعد إجراء التحاليل الطبية والبيولوجية اللازمة مكملا لعملية التشخيص وسابقا للبدء في وصف العلاج المناسب، وهو بذلك يندرج ضمن الأعمال الطبية؛ لذا فإن إغفال إجراء هذه التحاليل يعد خطأ يرتب المسؤولية على صاحبه.

وفي هذا الشأن، أقامت المحكمة العليا المسؤولية الجزائية للأطباء والمرضين الذين قاموا بنقل الدم لمرضى دون التأكد من فصيلته ومدى تقبل المستقبل له، مما تسبب في وفاة الضحايا.

إن وصف العلاج المناسبة وتقديمه للمريض يعتبر من أشهر الأعمال التي يقوم بها الطبيب.

وفي ذلك ذهب المجلس الأعلى إلى قيام مسؤولية المستشفى الجامعي ''مصطفى باشا''وإلزامه بتعويض المريض، الذي أدخل للمستشفى بسبب كسر في الحوض وفي معصمه الأيسر، وعند قبوله لم يتم إصدار أية أوامر طبية بشأنه، وتم تجبيره وتضميده فقط، دون تطهير للكسر، هذه الحالة تحولت بعد أيام إلى غنغرينة تطلبت قطع المرفق بأكمله. فهذا المريض لم يتلق العلاج المناسب من طرف الأطباء، فتسبب هذا الإهمال في تدهور حالته إلى الأسوأ، وهو ما اعتبره المجلس الأعلى خطأ جسيما يرتب مسؤولية المرفق الاستشفائي.

- وتعد رعاية المرضى وإسعافهم في حالة الخطر من الواجبات الطبية، حيث أدانت المحكمة العليا الطيب المخدر لعدم إخضاعه المريضة للتنفس الاصطناعي، رغم شعورها بالاختناق بعد العملية، ولم يحقنها بالدواء المساعد على إزالة التخدير مما أدى إلى وفاتها.

- كما أن مراقبة المريض ومتابعة حالته الصحية تعتبران من الأعمال الطبية. ومن التطبيقات القضائية الواردة في ذلك: ما ذهبت إليه المحكمة العليا من مسؤولية طبيب التخدير عن جريمة القتل الخطأ، إذ بعد تخديره للمريضة انصرف وتركها تحت رعاية شخص آخر غير مؤهل، مما أدى إلى التواء أنبوب الأكسجين ووفاة المريضة.

وفي قضية أخرى تتعلق بالمتابعة الطبية، ذهبت المحكمة العليا إلى أن الإخراج المبكر للمريض بعد عملية جراحية دون التأكد من حالته الصحية، يعد إهمالا ويؤدي إلى مساءلة الطبيب جزائيا.

وبعد استعراض هذه الثلة من الأحكام القضائية الوطنية، يتبين بوضوح بأن القضاء الجزائري يتبنى نظرة مرنة لمضامين الأعمال الطبية، هذه النظرة تتأسس أو تنطلق من المضمون التشريعي للعمل الطبي، ثم تتوسع لتشمل وتؤكد على ضرورة إيلاء الأطباء كل العناية والأهمية في تدخلاتهم الطبية على المرضى، وبذلك يتوافق في اجتهاده مع ما جاء به قانون الصحة من أن العمل الطبي يشمل الحماية والمحافظة على صحة الإنسان في كل المستويات والمراحل الزمنية لحالته الصحية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال