مرحلة وصف العلاج.. الوصفة الطبية يحررها الطبيب المعالج تتضمن تحديد حالة المريض انطلاقا من عملية التشخيص

بعد أن يقوم الطبيب بتشخيص المرض، يتجه إلى وصف العلاج الملائم للمريض، والمتفق مع حالته الصحية ووضعه الجسماني.

والمبدأ العام في العلاج هو حرية الطبيب في اختيار الأنسب منه للمريض، وهي مسألة أساسية يجب احترامها من جانب القضاء، نظرا لكون مهنة الطب كغيرها من المهن الحرة تتميز بوجود المبادرة الشخصية كسمة بارزة لها، فضلا عن أنّ عامل التخمين يلعب دورا هاما في هذا المجال.

والحقيقة أن القضاء قد احترم خصوصية المهنة الطبية وكرّس حرية الأطباء في اختيار علاجاتهم. فقد قضت محكمة Aix الفرنسية بأن الجراح له حرية اختيار طريقة العلاج التي تبدو له أنها الصحيحة والملائمة للحالة المعروضة عليه.

وذهبت محكمة Liège إلى أنه ليس للقاضي أن يتدخل في بحث قيام الطبيب بتفضيل طريقة على أخرى من طرق العلاج أو الجراحة.

ونفس الاتجاه ذهب إليه القضاء المصري، من أن الطبيب يسأل عن خطئه في العلاج عندما يكون الخطأ الذي وقع منه ظاهرا لا يحتمل أي نقاش فني، وأما إذا كان الأمر يتعلق بمسائل علمية يختلف حولها الأطباء ورأى الطبيب إتباع نظرية دون أخرى فلا لوم عليه.

وعلى الطبيب أن يراعي في وصف العلاج بنية المريض وسنه وقوة إمعان المرض فيه وحالته النفسية كي يأتي العلاج مناسبا، فالمرض الواحد ليس له علاج واحد في جميع الأحوال، وما ينفع مريضا في العلاج قد يضر مريضا آخر مصابا بالمرض ذاته، حتى قيل بأنه ليس هناك أمراض بل مرضى.

غير أن حرية الطبيب في وصف العلاج ليست مطلقة، بل هي مقيدة بجملة من الضوابط، أهمها مراعاة القواعد والأصول العلمية الثابتة، واتخاذ منتهى الحيطة والحذر واليقظة عند وصف العلاج .

وإذا كان من الصعب على الطبيب مواكبة التطورات التي تحصل في مجال العلوم الطبية، فإن الأمر يستدعي على الأقل أن يكون على معرفة بالطرق الهامة المستحدثة، ذلك لأن ممارسته للعلاج بطريقة مخالفة ولجوءه إلى طريقة تخلى عنها زملاؤه من شأنه أن يؤدي إلى قيام مسؤوليته.

وعادة ما يحرر الطبيب العلاج المتوصل إليه بعد التشخيص في الوصفة الطبية، التي تعرف بأنها: «وثيقة مكتوبة، يحررها الطبيب المعالج تتضمن تحديد حالة المريض انطلاقا من عملية التشخيص، أو تحديد تنظيم معين يقتضي على المريض إتباعه أو وصف أدوية لعلاج الداء الذي يعاني منه هذا الأخير».

ويجب أن تكون الوصفة الطبية، التي يعتبر بعض الفقهاء إصدارها عملا طبيا، يجب أن تكون حقلا مصغرا تظهر فيه بوضوح كافة الالتزامات المفروضة على الطبيب في مجال العمل الطبي: تشخيصا، واختيارا للعلاج، ومطابقة لمعطيات العلم المتوفرة، فضلا عن ضرورة احتوائها على كافة المعطيات القانونية، لأنها تعتبر وثيقة إثبات للعلاقة القائمة بين الطبيب والمريض، وهي بذلك تساهم في تخفيف عبء الإثبات لمن هو مطالب به، في حالة تضمينها للمعلومات اللازمة.

وتجدر الإشارة إلى أنه، ومع إمكانية الطبيب استخدام أساليب جديدة في ظل الحرية العلاجية، لا يجوز له أن يقوم بتجربة طريقة جديدة وغير مؤكدة في العلاج أو غير معروفة النتائج بشكل جازم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال