ممّا سبق ذكره نرى أن الجدل حول الختان قد واكبه جدل حول الكتاب المقدّس اليهودي بالذات، أثّر عليه وتأثّر به.
فالختان هو مختبر صغير يتعرّف المرء من خلاله على نقاط الضعف في الكتاب المقدّس وعلى الآراء التي أثيرت من حوله.
وتطوّر مفهوم الختان هو صورة لتطوّر مفهوم الكتاب المقدّس كما هو تطوّر للفكر الديني والفلسفي والاجتماعي اليهودي عبر العصور.
وهناك رغبة من قِبَل بعض اليهود في جعل الختان أكثر ملاءمة لهذا التطوّر.
ورجال الدين اليهود يدركون أن السهام الموجّهة للختان سوف تصيب بنيان الكتاب المقدّس ونظريّاتهم الدينيّة.
فهم يرون فيه بداية المخاض لميلاد عصيب لا يعرفون ماذا يخفي. وهذا ما يجعلهم شديدي الانفعال كلّما أثير موضوع الختان.
وزوال الختان هو زوال بعض من سلطة رجال الدين على المجتمع.
فهم ما زالوا يرون في الختان «أحد أهم أوامر التوراة وأكبر المحافظين على اليهوديّة».
لذا لا يتورّعون من مواجهة معارضي الختان الديني باتهامهم بمعاداة الساميّة .
في كتاب عن الختان صادر من اليهود المجدّدين في الولايات المتّحدة نقرأ النص الآتي:
«رغم المؤثّرات القويّة الحاليّة ضد الختان، يظهر أن الختان الديني سيبقى ينعم بمركزه الحالي المهم الذي لا مثيل له بين المجدّدين اليهود الأمريكيّين.
ويظهر أن بهجة الاحتفال بالحياة والرغبة في التأكيد على التجارب اليهوديّة المحسوسة ما زالت متوهّجة. إن الختان الذي كان موضع جدل ونقد أصبح حاليّاً طقساً ذا معنى عميق».
يستشف من هذا النص خوف رجال الدين اليهود من عدم إمكانيّة صمود الختان أمام التيّار اليهودي المعارض في المستقبل. ويقر «هوفمان» في كتاب صدر حديثاً أن هذا التيّار لا مثيل له في العصور الماضيّة لأنه يلاقي مزيداً من القبول بين رجال الدين اليهود أنفسهم. ويذكر كيف أنه دار حديث بينه وبين مجموعة من رجال الدين اليهود الذين طرحوا فعلاً احتمال إلغاء الختان. فسألهم: «ولكن هل هناك أحد منكم لم يمارس الختان على ابنه؟» فخيّم سكون على القاعة ثم تحوّل إلى غضب.
فقد أجابه أحد الحاضرين: «لا حق لك للتدخّل. فأنت رجل عجوز أنجبت أولادك وكبروا وانتهيت من مشكلة الختان، أمّا نحن فنعيش في مرحلة الشباب وعلينا أن نواجه المشكلة بخصوص أطفالنا».
وأضاف «هوفمان»: «إنه من السهل علي أن اطرح أفكاري بصورة أكاديميّة دون أي اهتمام. أمّا رجال الدين الشباب أولئك فهم يعيشون المشكلة على الطبيعة ويحسّون بها كلّما يولد لهم طفل».
ولكن هذا المؤلّف يعزّي نفسه بذكر مقال للحاخام «ميخائيل هيرتسبرين». فهذا الحاخام يحكي كيف أنه بينما كان ينظر إلى دمع ابنه المختون، رأى نفسه يتساءل: «ولكن ماذا عن حاجة ابني؟ عندما كان يكافح في ألم، هل تخلّيت عنه لأجل طقس الختان؟» لقد كان شعوره بأنه خان ابنه. وبينما كان ينظر للجمع قائلاً: «كل شيء على ما يرام»، كان في صميم نفسه يقول: «هذا ليس صحيحاً».
ومع ذلك ختم مقاله قائلاً: «رغم قطع اللحم والألم الناتج عن عمليّة الختان، فإن عهد القطع يظهر وكأنه قدّر له أن يبقى دون مساس». وهذا المؤلّف وضع هذه الحكاية في بداية كتابه ثم عاد في خاتمته إليها.
وأمام شدّة التيّار المعارض للختان، يحاول رجال الدين اليهود تخليص سفينة الختان من الغرق أو إخراج ما أمكن إخراجه منها.
فقاموا بتمرين الأطبّاء وتثقيفهم في مجال الطقس الديني، حتّى يقوموا بدور الخاتن الديني.
ثم تنازلوا عن معارضتهم لاستعمال التخدير في الختان لكي يخفّفوا من الألم. ثم فتحوا الباب للنساء لممارسة الختان للرد على نقد الحركات النسائيّة.
ويقترح «هوفمان» إدخال تجديدات في طقس الختان بحيث تشارك المرأة بفعاليّة أكبر في عمليّة الختان.
فبدلاً من أن تكون الصلاة حكراً على الأب، يمكن أن تصبح شراكة بين الأب والأم.
كما أنه يقترح أن تُقام للبنات طقوساً مماثلة للتي تقام للأبناء.
ففي اليوم الثامن بعد ولادة البنت، يمكن إجراء طقس يسمّيه «عهد شعبنا إسرائيل» بدلاً من «طقس أبينا إبراهيم».
كما أنه يقترح أن يقام ختان الطفل ليس ضمن طقس الختان بل خارجه، ويستعمل فيه التخدير لتهدئة الألم.
وهكذا تعطى الأهمّية ليس للختان كعمليّة جراحيّة، بل للطقس الديني في معناه اللاهوتي الذي هو دخول العهد.
وهذا العالم اليهودي هو صاحب النظريّة التي تقول بأن العهد بين الله وإبراهيم لم يكن عهد ختان (بريت ميلا) بل عهد دم الختان (بريت دم ميله).
فالمهم في هذا العهد، حسب رأيه، ليس القطع بل إنزال الدم من حشفة الذكر. فيكون الختان في زمن إبراهيم مختلفاً تماماً عمّا نفهمه نحن في أيّامنا.
التسميات
ختان