رأي ناتالي بيفاس في الختان.. من متبقّيات الضحايا الدمويّة في اليهوديّة القديمة. الختان في المحيط الأرثوذكسي يتضمّن مص دم الذكر إمّا بالفم أو بأنبوب

بعثت هذه السيّدة اليهوديّة الأمريكيّة رسالة إلى أهلها مؤرّخة في 20 مايو 1986 تخبرهم فيها أنها قرّرت عدم ختان طفلها الذي سيولد قريباً وتبيّن الأسباب لذلك. ونحن ننقل نص هذه الرسالة:
آبي وأمي العزيزين
بما أننا على علم أن ولدنا القادم سيكون طفلاً، كان علينا أن نأخذ قراراً قاسياً وحزيناً جدّاً، قراراً يجب أن نُخبِر به الأهل. إننا لن نختن ابننا. لقد حضرنا عدداً من عمليّات الختان (عهد القطع) قام بإجرائها أطبّاء وموهيلين ورأينا أن الطفل يتألّم حقاً. وفي أحشائنا شعرنا بأنه من غير الممكن أن نسمح ممارسة هذا الأمر على طفلنا. لقد أخذنا بالاعتبار شعورنا في أحشائنا وتحرَّينا أشهراً حتّى يكون قرارنا موضوعياً وواضحاً. وقد قرأنا ثلاثة كتب من بينها كتاب كتبه يهودي وآخر كتبته امرأة متزوّجة مع يهودي، واتصلنا بمؤلّفي هذه الكتب شخصياً، وتكلّمنا مع الأطبّاء والحاخامات، وجمعنا عدداً ضخماً من المقالات حول الختان، وتكلّمنا مع أهل يهود من جميع جهات البلد لم يختنوا أطفالهم واشتركنا في حلقات لخبراء في هذا الموضوع.
وأخيراً فقد اتخذنا قرارنا للأسباب التالية. فمن الواضح أن العمليّة مؤلمة ومؤذية للطفل (وكثيراً أيضاً للأهل). ولذلك ما هو السبب الذي من أجله علينا أن نعمل هذه العمليّة؟
1) إن السبب الأوّل والأهم لعمل الختان هو الاعتقاد الديني العميق بأن هناك إله ينتظر دم وغلفة ابننا كعلامة لعهد. يقول ابن ميمون إن «هذا الفعل لا يفعله الإنسان [...] إلاّ عن اعتقاد صحيح». وهذا لا ينطبق علينا. فنحن نعتبر إبراهيم كنموذج رمزي وأمر ختان جميع أهل بيته كأسطورة لتبرير عمليّة كانت موجودة من قَبله. وإذا كنّا نؤمن بكل أوامر التوراة، فعلينا المحافظة على الأوامر الخاصّة بالطعام والسبت. ولكنّنا حقيقة علمانيين نتّبع المذهب الإنساني. فما معنى المحافظة على الختان بينما نأكل الوجبة الصينيّة التي تحتوي على لحم الخنزير وسمك الروبيان الممنوعين في الشريعة اليهوديّة؟ وإذا قمنا بالختان ونحن لا نؤمن، فإننا قد قمنا برجس كبير.
وبقراءة الفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي فيه أمر الله إبراهيم بختن كل ذكور أهل بيته، اتضح لنا أن هذه كانت ضحيّة دمويّة لضمان أرض إسرائيل وتكثير نسله. وبما أننا لا نؤمن بالتفسير الحرفي للتوراة، نرى أن هذا التبادل مهين. نحن لا نؤمن بأننا نضمن إسرائيل أو نكثِّر الشعب بتضحية جزء من طفلنا. فعندما كان جيراننا قَبل 3000 عام يقومون بتضحية أولادهم، كان طلب الشريعة تقدّمياً عندما طلبت تضحية جزء من الدم وجزء من العضو التناسلي الذي يمكن العيش من دونه. وأمّا في أيّامنا، فإننا لا نجد أي تقدّم في مثل هذه التضحية الأثريّة عام 1986.
2) هل نختن لأن اليهود يختنون؟ وبسبب مظهر اليهود؟ هذا السبب هو الأكثر انتقادا. وعلماء الإنسان ينظرون إلى هذا الأمر كعلامة قبليّة. والنصوص التوراتيّة تبيّن أن الختان كان مستعملاً كعلامة قبليّة للتفريق بين جنودنا وجنود أعدائنا. ونحن نعتبر عمليّة قبليّة وبتراً مروّعاً تخديش الجسد طقسيّاً، وعمل الوشم، ومد شحمة الأذن والعنق، وتربيط القدم وبرد أنياب الأطفال وختان الإناث (تلك العمليّة التي يقوم بها أكثر الشعوب الذين يختنون الذكور ومن بينهم الفلاشة). وختان الذكور لا يختلف عن تلك العلامات إلاّ لأننا تعلّمنا قبوله. وإذا كنّا موضوعيين، علينا أن نتروَّع من العمليّة التي تُجرى على الطفل والتي تجعل منه عضواً من قبيلة. وللغرابة، فإن اليهوديّة ترفض كل أنواع الوشم أو البتر التجميلي ما عدا الختان.
كان بإمكاننا أن نقول إن علينا أن نختن طفلنا كغيرنا من اليهود لأن اليهود مختونين. وإذا عملنا ذلك رغم عدم إيماننا بالتوراة ككتاب مقدّس، فإننا نجعل من الختان علامة قبليّة. فهل نقبل بأن الشعب اليهودي شعب بدائي إلى درجة عمل علامة في أطفالهم؟ والذي يظهر أن هرتسل (توفّى عام 1904) لم يكن يرى في الختان علامة انتماء للشعب اليهودي فهو لم يختن ابنه.
3) ولكن هل علينا أن نعمل عمليّة الختان لأسباب طبّية أو صحّية؟ ليس هناك أي سبب لذلك. ففي عام 1971 قرّرت الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال بأن الختان لا قيمة طبّية أو صحّية له البتّة ويجب عدم إجرائه بصورة روتينيّة. وقد أكّدت ذلك أيضاً الكلّية الأمريكيّة للمولّدات وطب النساء والجمعية الأمريكيّة لطب المسالك البوليّة للأطفال عام 1978. وعلينا أن نتساءل لماذا إذاً علينا إجراء الختان؟ وشركتا التأمين (Medical and Blue Shield) في مقاطعة بنسلفانيا لم تعودا تغطّيان مصاريف هذه العمليّة، وعدد من شركات التأمين تخطّط لحذف مثل هذه التغطية.
كل الدراسات الخاصّة بسرطان العنق والذكر والبروستاتة تبيّن أن لا أساس لها من الصحّة ورُفِضت من الأوساط الطبّية. والأمريكيّون هم الرجال الوحيدون في العالم الذين يختنون بالإضافة إلى العرب وبعض القبائل الإفريقيّة والاستراليّة وبعض هنود جنوب أمريكا واليهود. وباقي العالم يعيشون بصورة طبيعيّة مع غلفهم. فهم لا يموتون مثل الذباب من السرطان أو الالتهابات والأمراض التناسليّة. وقد وعينا من خلال حياتنا في كندا وفرنسا أن الختان خاص بالولايات المتّحدة وأن تلك العمليّة تعتبر وحشيّة من قِبَل الآخرين.
وقد أخبرتنا طبيبتنا المختصّة بطب الأطفال أن الختان لا فائدة فيه وأنه مؤلم وأن لا سبب البتّة لإجرائه (رغم أن زوجها يهودي وابنها مختون). وقد قالت لنا بأنها تجد مشاكل أكثر مع المختونين ممّا مع غير المختونين.
وقد اتصل بنا طبيب آخر، اسمه «دين اديل»، وهو المعِّلق الطبّي في التلفزيون والراديو [...] عندما سمع بورطتنا. وقد تكلّمنا معه لمدّة 45 دقيقة. وهو يهودي ولم يختن ابنيه. وهو يتّفق بأن الختان عمليّة لا ضرورة لها ومؤذية وخطرة، مبيّناً ذلك بوثائق. وهو يتعجّب لماذا يرفض اليهود الرضوخ للقواعد الخاصّة بالطعام والسبوت بينما لا يجدون أن الختان يجب أن يكون أوّل ما يُلغى. وقد أثنى على تمسّكنا بتحدّي العادات وهو يعتقد أن هذه العادات لا معنى لها.
إن الختان، ككل عمليّة جراحيّة له مخاطره. ورغم أنه العمليّة الأكثر رواجاً في الولايات المتّحدة، لا توجد أيّة دراسة عن هذه المخاطر ممّا يجعل كل الإحصائيّات موضع شك. والدراسات في بريطانيا وفي كندا تبيّن أن خطر التعقيدات يصل إلى 22% إلى 42%. وحسب تجربتنا (من خلال أولاد وإخوة أصدقائنا) رأينا عدداً من الالتهابات تطلّبت اللجوء إلى المضادّات الحيويّة على طفل حديث الولادة، ونزيف دم تطلّب خياطة الجرح، وتسمّم حاد بالدم أدَّى إلى عطب دائم في المخ (وقد تم وضع طفل في مصح أمراض عقليّة) والى الموت. حتّى وإن كانت هذه الحوادث نادرة (الالتهابات والنزيف الدموي ليسا نادرين)، لماذا نعرّض الطفل للخطر دون سبب؟ وقد يكون معدَّل الختان في تناقص في بعض الأماكن، ولكن نسبة الختان هنا هي50%. وبعض الجهات الطبّية تقول بأن نسبة الختان أعلى وبعضها يقول بأنها أقل. ومهما يكن، فإن طفلنا لن يكون من الشواذ في عالم علماني.
ويمكن النظر إلى ما إذا كان الشواذ ضمن العالم اليهودي سوف يؤدِّي إلى نتائج سلبيّة للطفل. لقد تكلّمت مع عدد من اليهود حول العالم لم يختنوا أطفالهم وهم حاليّاً فوق سن الثالثة عشرة. وقد تكلّمت مع شخص عمره فوق الثلاثين لم يُختن. وزوجته يهوديّة ويُعلِّم في مركز يهودي. وكلّهم أكّدوا لي بأن عدم ختان الطفل لا يخلق أيّة مشكلة البتّة مع رفاقه أو أهله. فالأطفال خجولون من أعضائهم الجنسيّة فلا يظهرونها للغير. و«غرفة المناظرة» ما هي إلاّ خرافة. وأحد هؤلاء الأطفال سوف يتخرّج قريباً من مدرسة يهوديّة، والآخر سوف يتثبَّت. ليس هناك أي ضمان بأن طفلنا سوف يحس بأن كل شيء على ما يرام إذا ما بقي دون ختان كيهودي، ولكن لا شيء يثبت لنا عكس ذلك.
إنني اعتقد أن عدم الختان سوف يصبح أمراً اعتياديا بين اليهود. وعندما ألغي التأمين الطبّي للختان في إنكلترا، هبط معدّل الختان من 30% و40% إلى أقل من 1% في مدّة ثلاث سنوات. وإذا قامت شركات التأمين في الولايات المتّحدة بإلغاء التأمين على الختان، فإن معدّل الختان سوف ينخفض أيضاً هنا كنتيجة لذلك. إني اعتقد أن أكثر اليهود علمانيون ممّا يعني أنه إذا أصبح تمييز أطفالهم سهلاً بواسطة علامة الختان، فإنهم سوف يلغون الختان أيضاً. فمزاولة الختان من قِبَل غير اليهود تبقي على فكرة أن الختان جيّد في عقل اليهودي. ولكن هذا بدأ في التغيير. وعلى كل حال فإن طفلنا سيبقى يهوديّاً، خُتن أو لم يُختن لأنه ولد منّي كأم يهوديّة. فالختان لا يجعل من الطفل يهوديّاً.
وقد وجدنا أربعة حاخامات يقبلون عمل مراسيم العهد دون ختان. إتنان منهم مجدّدان أصدقاء لنا واثنان متدرّبان كيهود حاسديم. ورغم أنهم ليسوا ضد الختان، فإنهم يتفهَّمون بأن يعيش الغير دون إتِّباع التوراة. وقد قام الاثنان الحاسديم بمزاولة مثل هذه المراسيم الدينيّة أكثر من عشر مرّات. ولذلك فقد خطّطنا بعمل مراسيم دخول العهد لكي نرحّب بالطفل في الطائفة اليهوديّة. وسيكون هناك حفلة فرح وخمر وأكل. وسوف يقيم الحاخامان المجدّدان المراسيم وسوف نشرح قرارنا للحضور. وإذا وافق الرجلان الحاسديم فسوف يقومان بالترانيم لأنهما معروفان بترانيمهما (وبالصدفة هما من نسل حاخامات لا شك فيهم من القدس).
إننا نأمل بتقبّلكما قرارنا الصادر من قلبنا. وهناك أمر أكيد، وهو أننا إذا تركنا طفلنا يربط ويقطع بسكّين، فإننا سوف نموت ألف موت في قلبنا وفي روحنا. إننا نأمل أن يكون بخير وبصحّة جيّدة ولا نريد أن نراه يتألّم حتّى نحمي حياته. ومن المؤكّد بأنه غير الممكن النظر إليه يتألّم دون سبب معقول.
مع المحبّة.
وتقوم هذه الأم بدعاية ضد ختان الذكور في الأوساط اليهوديّة لدى النساء. وهي تشرح في رسالة توزّعها سبب رفضها للختان حتّى تساعد اليهود في اتِّباع طريقها. تقول في رسالتها:
إني أرسل إليكِ هذه المعلومات التي طلبتها والتي آمل أن تساعدكِ لأخذ قرار بخصوص ختان ابنك ِاليهودي.
أنا يهوديّة غربيّة (أشكنازية) تربّيت في مجتمع محافظ، وزوجي يهودي شرقي نفي من مصر إلى فرنسا وتربّى في طائفة أرثوذكسيّة. ونحن نعتبر أنفسنا مُتعمّقين في اليهوديّة وكنا نشيطين في الطائفة اليهوديّة هنا وفي كل مكان عشنا فيه سابقاً. وقد علّمت في مدرسة يهوديّة لمدّة خمس سنين. وهذه المعلومات تبيّن أننا لسنا يهوداً منحرفين.
إن القرار الصعب الذي أخذناه بعدم ختان ابننا المولود في 18/9/1986 جاء نتيجة قصّة طويلة من الاكتشافات بأن الختان أمر مزعج. فبعد أن حضرنا حفلة ختان في مونتريال، أعربت عن عدم ارتياحي لزميلتي الإسرائيليّة. فأخبرتني أن أخاها قد مات بسبب تقيّح الدم الناتج عن ختانه عام 1939. وقد كانت هذه أوّل مرّة أسمع فيها أن هناك مخاطر للختان. ومنذ ذلك الوقت سمعت قصصاً كثيرة صدمتني لا تُذكَر للمدعوّين إلى حفلة ختان. وقد سمعت أمّهات يبحن كم هن تعيسات مع إحساس بالذنب لأنهن سمحن بختان أولادهن ولكن لم يكن أمامهن أي مفر من ذلك.
وآخر دفعة جاءت بعد أن حضرت حفلة ختان قَبل ميلاد بنتي بثلاثة أسابيع عام 1983. لقد كان الطفل شاحباً وظل يصرخ لمدّة عشرين دقيقة بينما كان الطبيب يختنه. وقد أغمي على زوجي وبكيت دون إمكانيّة السيطرة على نفسي. عندها قرّرت بأنني لن أسمح أبداً بختان ابني.
وقد كان ميلاد ابنتي تثبيتا لقناعتي. لقد كانت صلتي بها شديدة بعد أسبوع من ولادتها حتّى إني لم أكن أتصوّر السماح لأحد بإيلامها. وعندما حملت ثانية بيّنت الفحوصات بأنه ذكر. وعندها أحسست بخيبة الأمل لأني لم أكن أعرف كيف يمكنني أن استمر في الحياة دون ختان ابني اليهودي. وأنا أفهم أن القرار صعب جدّاً لكِ. لقد قضيت كل أوقات حملي وأنا أبكي وأراجع وأفكّر وأقرأ عن الختان.
وبعد كل قراءاتنا ونقاشاتنا توصّلنا إلى تبرير بسيط. نحن لا نتّبع القواعد اليهوديّة ولا نقبل التعهّد بإتّباع كل أوامر الله. فقد تفاوضنا في كل الأمور. فنحن لا نحترم القواعد الخاصّة بالطعام أو السبوت. والختان هو أمر مقدّس صادر عن إيمان ولكنّه لا يتّفق مع إيماننا. فنحن لا نؤمن بحرفيّة أوامر الله ولا نحترم الأوامر الأخرى كغيرنا من اليهود الأمريكيّين. وقد شعرنا بأن إتمامنا الختان رغم عدم إتِّباعنا القواعد اليهوديّة هو عبث بالمقدّسات.
إننا مقتنعون أن أكثر اليهود لا يقومون بالختان عن إيمان بل احتراما للعادات، معتبرين إيّاه ممارسة ثقافيّة وليس دينيّة، تشبّهاً بغيرهم من اليهود. وقد أحسسنا أن الختان كممارسة ثقافيّة هو عمل بدائي جدّاً. فهو من العصر الحجري ثم أصبح بالأمر الذي أعطي لإبراهيم طقساً للخصب. وكان بديلاً متحضّراً لعادة الخصي الذي كان يمارسه جيراننا الفلسطينيون في ذاك الوقت.
وقد برَّرنا قرارنا بعدم الختان على أساس أن الختان من متبقّيات الضحايا الدمويّة في اليهوديّة القديمة. ونحن اليهود العلمانيون لا يمكننا أن نقبل استعمال أولادنا كضحيّة. فالدم هو أمر أساسي في طقس الختان. حتّى أن الذي يتحوّل لليهوديّة مختوناً يهرق دم من حشفته. كما أن الختان في المحيط الأرثوذكسي يتضمّن مص دم الذكر إمّا بالفم أو بأنبوب. ومراسيم الختان عند اليهود الشرقيّين تطلب من الله أن يتقبّل دم المختون كدم الضحيّة في الماضي. وكل هذا مخالف للذوق في نظرنا.
سوف أناقش بعض النقاط التي ستطرح عليكِ وكيف يمكنكِ الرد عليها.
1) من الأفضل ختان الطفل اليوم بدلاً من إجباره على أخذ هذا القرار لاحقاً. ولكن العيب في هذا الأمر هو أن الختان لا رجعة فيه، بينما من بقي سليماً يمكن أن يرجع عن سلامة جسده. وبما أن الختان بدأ بالانحدار في الولايات المتّحدة، فإنه سوف يقارن نفسه مع أصدقائه غير المختونين. وعندها لا وسيلة له ليتراجع عن الختان. وإذا شرحتِ له أنه خُتن لأنه يهودي، فسوف يتّهمكِ بالمراءاة إذا كنت لا تعيشين حياة دينيّة أرثوذكسيّة. وسوف يكون من حقّه أن يغضب.
2) إن الطفل لا يحس بالألم لأن أعصابه ليست نامية، أمّا لاحقاً، فسوف يتحتّم استعمال المخدّرات. غير أن الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال قرّرت في سبتمبر من عام 1987 أن الأطفال يحسّون بالألم وأن لا إثبات علمي بأن عدم نمو أعصابهم يمنع إحساسهم بالألم. وقد قرّرت بأنه يجب عدم إجراء أيّة عمليّة دون تخدير. والبالغ يمكنه أن يعي ما يجري عليه ويمكن إجراء التخدير موضعياً عليه ويمكن أن يعطى المهدّئات بخلاف الطفل.
3) سيكون الطفل غير المختون ولداً أحمقاً بين اليهود، وسوف يستحي من نفسه ولن يتزوّج بيهوديّة. ورغم أن معطياتي في الأمر قليلة (ثلاثة يهود بالغين وستّة يهود مراهقين)، فإنني لم أجد أي أساس لهذا القول. وقد تزوّج البالغون نساء يهوديّات وكان لهم هويّة يهوديّة أقوى من المعتاد.
4) يقول الرجل: لقد تم ذلك وأنا مسرور بذلك. ولكنّه في الحقيقة فقد جزءاً حسّاساً جدّاً من جسمه. فالغلفة ليست عضواً جانبياً كما يعلّموننا. فهي تغطّي الحشفة وتحميها. والحشفة هي جسم ناعم ومخاطي مثل داخل الخد. وحشفة المختون تصبح ست مرّات أكثر تصلباً من حشفة غير المختون.
إني آمل أن تكون هذه المعلومات مفيدة للتعاطي مع نقاط النقاش الأهم التي ستثار معكِ. وها أنا اشرح لكِ الوثائق التي أرسلها لك. هناك مقالات من مصادر يهوديّة تبيّن أن التشكيك بالختان له سوابق، وأن الختان عمليّة بدائيّة ولها معنى التضحية، وأن الأهل تندّموا على إجراء الختان. كما أرسل لكِ قائمة بأهالي يهود اتصلوا بي وعدد من الطقوس الدينيّة البديلة لدخول العهد وتسمية الطفل وقائمة بطوائف اليهوديّة الإنسانيّة. وهؤلاء لا يساندون الختان، وقد تجدين بينهم من يقبل بالقيام بمراسيم تسمية الطفل. كما أرفق طيّه عدداً من المقالات الطبّية والقانونيّة والخاصّة بعلم الإنسان. وهناك مقال عنوانه: «الختان إساءة معاملة للأطفال: وجهة نظر قانونيّة ودستوريّة» [...]. كما أرسل لكِ الرسالة التي بَعثتُها لأهلي. وأنصحك بأن تتكلّمي مع أهلك مبكّراً خلال حملكِ لكي تشرحي لهم موقفكِ مع الوثائق لأن عدم ختان الطفل يحدث صدمة لديهم.
أعطيك أيضاً نصيحة كيف يمكنك أن تعملي دخول العهد دون ختان. التجئي إلى حاخام مسؤول عن مجموعة دينيّة «خفورة» ولكن ليس له رعيّة. فهو ليس له ما يخسره إذا ما قام بمثل هذا العمل الشاذ. وقد كانت تجربتنا مع الحاخامات الاعتياديين، حتّى المتحرّرين جدّاً، لأنهم كانوا غير لطيفين بتاتاً. فقد طلب زوجان من أحد رجال الدين المجدّدين إقامة حفلة تسمية الطفل بعد صلاة السبت فسكت تماماً عن الختان. وربّما كان هذا يعتقد أن الختان قد تم. فيمكنكِ محاولة ذلك إذا كنتِ لا تظنّين أنه خداع. كما يمكنكِ أن تطلبي من صديق أو أب أو جد بأن يقوم بدور رئيس الطقس. ويمكنكِ الاتصال بطائفة اليهود الإنسانيين في منطقتك. وعلى كل حال يمكنكِ أن تحصلي على شهادة تسمية للطفل رسميّة جدّاً مقابل نصف دولار من مكتبهم الرئيسي في «ميشيغان».
وقد عملنا لطفلنا دخول العهد دون ختان. فقد كان لنا صديق وهو رجل دين مجدّد ويرأس مجموعة دينيّة. وقد أتم المراسيم حسب طقس حوَّرناه. وقد كان لطيفاً جدّاً. وهناك أيضاً أخوان متديّنان من الحاسديم من تيّار الجيل الجديد. وقد حضر أحدهما وقام بالتراتيل. وقد أرسل لي المعلّق الطبّي في التلفزيون في «سان فرانسيسكو» طاقم تصوير. وهو طبيب يهودي لم يختن ابنه الأصغر. وهكذا كان عندنا شريط فيديو ممتاز عن حفلة دخول العهد. وإذا أردت استعارته، اتصلي بي هاتفياً. وقد كان الحظ بجانبنا إذ وافق أهلنا وأخواتنا على قرارنا بسهولة. إني أتفهّم أن الخوف من فقدان محبّة واحترام العائلة يُصعّبان أخذ القرار. ونحن قد فقدنا كثيراً من أصدقائنا وكان هذا أمراً قاسياً جدّاً علينا.
أتمنّى لكِ حظّاً سعيداً وميلاداً موفّقاً إن كنت حاملاً. فاعتبري نفسك رائدة تعطي المثال الطيّب للغير حتّى وإن كان القرار صعباً. إني اعتقد أن ابني سيكون عارفاً للجميل لأني تركته سليماً.
إني اقدّر جدّاً أي تعليق على الوثائق التي أرسلها لك حتّى أتمكّن من إضافة أو حذف البعض في مراسلاتي القادمة. كما اقدّر إن أمكنكِ أن ترسلي لي خمسة جنيهات مقابل تصوير الأوراق إن كان ذلك في إمكانك. وإني أنصحكِ أن تقرئي الكتب التالية لمؤلّفين يهود.
بكل إخلاص
وفي رسالة أرسلها حاخام يهودي إليها عام 1992 نقرأ
عزيزتي ناتالي
أشكرك على إرسالك النصوص المطبوعة. أرفق طيّه شيك بمبلغ 36 دولاراً. هل يمكنك أن ترسلي إلى أمي نسخة من هذه الوثائق بأسرع وقت ممكن؟
اعتمادا على أبحاث قمت بها، أجد أنه لا يوجد تبرير للختان من نظرة العلم والطب وعلم النفس وعلم الأعصاب. إنها عمليّة طبّية تبحث عن سبب. ومن الجهة السلبيّة، فإن الختان يحرم الشخص من وظيفته الجنسيّة الطبيعيّة. وهي أيضاً قضاء على عضو صحّي دون موافقة مستنيرة. ومن الوجهة القانونيّة، الختان هو جريمة يمكن عقابه حسب قانون صحّة الأطفال في أيّة ولاية من الولايات المتّحدة وهو خرق للقانون الدولي الذي يُحَرِّم القسوة والبتر.
هل يمكن تبرير الختان من النظرة الروحيّة؟ هذا الأمر لم يتم البرهنة عليه بصورة ترضيني. هناك كثير من الناس المتطوّرين روحيّاً الذين ليسوا مختونين، وهناك كثير من المتخلّفين روحيّاً رغم أنهم مختونون.
هل يمكن تبرير الختان من منظور الثقافة اليهوديّة؟ ربّما يكون هذا السبب الوحيد. بطبيعة الحال، الختان ليس ضروريّاً لكي يكون الإنسان يهوديّاً (إذ إن الشرط الوحيد هو الولادة من أم يهوديّة والنساء لسن مختونات)، ولكنّها عادة ترجع لعدّة آلاف من السنين. إني أرى أن ضرورة هذه العمليّة أمر شخصي وقرار شخصي كما هو الأمر بخصوص العادات اليهوديّة الأخرى. وكحاخام، لا أرى أن موافقتي لإزالة غلفة ابني تجعل منّي شخصاً أفضل. وإذا أحس ابني أن الختان يجعل منه شخصاً أفضل، فيمكنه أن يقرّر بذاته عندما يصبح بالغاً. إني لا اعتقد أن لي الحق في أن أزعج أو أغيّر أو أضعف جسده. لا بل من واجبي حماية وتحسين صحّته والمحافظة عليها.
إن إلهي هو إله محبّة، لا يفرض ألماً ووجعاً لا داعي لهما، ولا يطلب تضحية وعقاباً للذات، وقد زرع في عقل الإنسانيّة الحِكمة لكي نخطّط قَدَرَنا، وزرع في نفس الإنسانيّة الرحمة والفهم، وخلق جسدنا باهتمام وحلم كبيرين.
وحتّى إن اقتنعت أن الختان أمر جيّد لابني، فإني لن أوافق على ختانه. إني لا أريد أن أُحصَر داخل علبة الخرافات والخوف والجهل.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال