تجدّد نقد الختان بين اليهود الأمريكيّين.. مخالف لمبدأ المساواة بين الذكر والأنثى. لا فائدة صحّية له. عمليّة تشويه جسدية تجرى على الأعضاء الجنسيّة لطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه

لقد كان الجدل حول الختان في ألمانيا مقتصراً في القرن الماضي على اليهود الذين يمارسونه. ولكن مع انتشار الختان بين مسيحيّي الولايات المتّحدة، أخذ المسيحيّون يشاركون في الجدل حول الختان بسبب مضارّه الطبّية والنفسيّة، ولحق بهم بعض اليهود.
فرغم عدم تعرّض المسيحيّين في جدلهم حول الختان للفكر الديني إلاّ قليلاً، فإن توجيه النقد للختان على أساس المضار الطبّية والنفسيّة يؤثّر أيضاً على ممارسة الختان الديني بين اليهود ذاتهم. فإذا ما فقد الختان أهمّيته كعادة اجتماعية، ولم يعد له سبب طبّي يبرّره، ولم تعد شركات التأمين تغطّية تكاليف العمليّة الطبّية، فإن عدد غير المختونين بين غير اليهود سينقص. وهذا يؤدّي إلى انخفاض المحيط المشجّع للختان بين اليهود إذ لن يعود هناك ختان لأسباب طبّية بل فقط ختان لأسباب دينيّة. وهذا يعني أن اليهود الذين كانوا يختنون أطفالهم لأسباب طبّية أو اجتماعية أكثر ممّا لأسباب دينيّة سوف يفقدون السبب الذي من أجله سيختنون أطفالهم . وإذا ما أغلقت نافذة الختان الطبّي في الولايات المتّحدة، فإن ذلك يعني أن رجال الدين سوف يفقدون القاعدة التي كانوا يراهنون عليها كما أنه يعني تجدّد الجدل حول الختان بين اليهود كما كان عليه في بداية عصر المجدّدين اليهود الألمان. وهذا فعلاً ما بدأ يحصل في الولايات المتّحدة. فهناك عدد غير قليل من اليهود الذين يشاركون في هذا الجدل. وقد زاد هذا النقد ضد الختان حدّة دخول النساء ساحة المعركة ومطالبتهن بالمساواة مع الرجال. ثم جاء تقدّم علم النفس ليدعم موقف التيّار المعادي. وقد أجمل «هوفمان» في ثلاث نقاط الجدل حول الختان بين اليهود في الولايات المتّحدة:
- على المستوى الطقسي، يُعتبر الختان مخالفاً لمبدأ المساواة بين الذكر والأنثى. فالختان هو أحد الطقوس التي تؤهل الطفل الذكر في دخول حلقة الرجال المسيطرين على المجتمع. وفي عصرنا الذي يطالب بالمساواة، أصبحت النظرة إلى ختان الذكور نظرة سلبيّة. ممّا جعل البعض يحاول إيجاد مخرج لهذه المشكلة بخلق نظام ختان رمزي للبنت.
- على المستوى الطبّي، لم يَعد للختان تلك الأهمّية الطبّية التي كانت تظن سابقاً. وبما أنه لا فائدة صحّية له فإنه لا حاجة له.
- على المستوى الأخلاقي، يُنظر حاليّاً للختان كعمليّة تشويه جسدية تجرى على الأعضاء الجنسيّة لطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه. ممّا يعني أن الختان أصبح عملاً منافياً للأخلاق.
ويمكننا أن نجمل مواقف اليهود الحاليّة من الختان الديني كما يلي:
1) هناك تيّار يطالب بالإبقاء على الختان التقليدي: هذا التيّار يفهم النص الديني ويطبّقه بحرفيّته كنص منزل من عند الله ومُلزِم لليهودي، ويعتبر أن الختان أمر إلهي موجّه إلى إبراهيم وسلالته من بعده كعلامة عهد بين الله وبينهم كشعب مختار من قِبَل الله.
2) هناك تيّار ثانٍ يطالب بإدخال بعض الإصلاحات على الختان التقليدي: هذا التيّار يحاول تفسير الكتاب المقدّس تاريخياً واجتماعياً وفلسفيّاً مع الإبقاء على صبغته الدينيّة والمحافظة على ضرورة إجراء الختان مع إدخال بعض التعديلات عليه مثل عدم الالتزام بضرورة أن يكون الطفل من أم يهوديّة لإجراء الختان عليه، وإجراء مراسيم دينيّة للإناث تشبه تلك التي تجرى للذكور ولكن دون قطع.
3) هناك تيّار ثالث يطالب بإلغاء الختان والمحافظة على مراسيمه: هذا تيّار متديّن يضيف إلى ما سبق حلقة جديدة ملغياً عمليّة القطع في مراسيم ختان الذكور ومبقياً على المراسيم الدينيّة يتم فيها إعطاء الطفل اسما يهوديّاً. وهذا التيّار يحاول أن يواكب التطوّر العلمي ويعطي أهمّية للعهد، أي دخول الذكر والأنثى في حظيرة الشعب اليهودي. وقد حاول البعض بدلاً من قطع غلفة ذكر الطفل قطع رأس جزرة. ومنهم يكتفي بإنزال نقطة دم من ذكر الطفل بدلاً من قطع الغلفة.
4) تيّار رابع يلغي المراسيم مع المحافظة على الختان: لقد تطوّر هذا التيّار مع حركة ولادة الأطفال في المستشفيات، إذ تتم عمليّة الختان بصورة روتينيّة للأطفال من قِبَل الأطبّاء، مهما كانت ديانة الطفل. وفي هذا الختان لا يلتزم اليهود باليوم الثامن الذي فرضه الكتاب المقدّس اليهودي، وقليلاً ما يطلبون من رجل الدين اليهودي الحضور لإجراء بعض الصلوات. فالختان هو عمليّة طبّية مثل غيرها وقد تعني عند البعض منهم عمليّة انتماء إلى الشعب اليهودي.
5) تيّار خامس يلغي المراسيم والختان معاً: هناك يهود يرفضون كلاًّ من الختان والمراسيم. فهم لا يجرون الختان بتاتاً على الأطفال.
نضيف أن بعض رافضي الختان بين هذه التيّارات المختلفة يحاول مد جلد الذكر لإلغاء علامة الختان من جسدهم. وسوف نعود إلى هذه العمليّة في الجزء الطبّي.
ولا بد من ملاحظة أن هذا التطوّر الذي نشهده بين اليهود نشهده أيضاً بين المسيحيّين الغربيّين بخصوص العمّاد. فالعمّاد في سن مبكّر خوفاً من وفاة الطفل دون أن يعمّد، ممّا يعني عدم خلاصه الأبدي، لم يعد له تلك الأهمّية التي كانت له سابقاً. فكثير من العائلات المسيحيّة الغربيّة تقرّر عدم اللجوء إلى العمّاد إمّا لأنها لا ترى فيه المعنى الروحي، أو لأنها تريد أن تبقي للطفل حرّية الاختيار عندما يكبر. إلاّ أن الختان يختلف عن العمّاد بسبب عواقبه الصحّية والنفسيّة. ففي الختان قد يموت الطفل أو يصاب بتشوّه دائم، وقد يحتفظ بآثار نفسيّة خطيرة بسبب الألم الذي ينتج عنه. ونجد حاليّاً كثيراً من اليهود الذين يبدون بشهادات تبيّن مدى الأثر المؤلم الذي أبقاه في ذاكرتهم ختان أطفالهم.
هناك إذاً تصدّع عميق أصاب الختان وهذا التصدّع سينتهي عاجلاً أو آجلاً إلى القضاء عليه لا محالة مهما تشبّث به مؤيدوه. ففقدان رجال الدين اليهودي السيطرة على مجتمعهم يعني ترك قرار الختان في يد العلمانيين اليهود. لا بل إننا نجد رجال دين يهود يدخلون في صفوف المعارضين ويرفضون إجراء الختان على أولادهم. وهناك الآن عدد من المؤلّفين اليهود الذين يغذون هذه المعارضة فكراً وعملاً. وهذا ما سنراه من خلال بعض الكتابات اليهوديّة التي اخترناها. وهذا قليل من كثير بين أيدينا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال