الأغلف يقطع من الشعب اليهودي.. ختان الذكر يعني ختان العقل بالتخلّص من الرذائل والشهوات

يقول الفصل 17 من سفر التكوين: «أي أغلف من الذكور لم يختن في لحم غلفته، تفصل تلك النفس من ذويها، لأنه قد نقض عهدي» (14:17). وفي الطبعة العربيّة السابقة للكتاب المقدّس، نقرأ: «تقطع تلك النفس من شعبها».
هناك من يربط بين هذا الجزاء وبين ما حدث لموسى الذي أهمل ختان ابنه وهو في طريقه إلى مصر. فقد لاقاه الرب وهمّ قتله، فانقذته زوجته صفّورة بقيامها بتلك المُهمّة (الخروج 20:4-26). أي أن عدم الختان يعرّض غير المختون للموت. ويبيّن هذا النص أن موسى لم يكن قد ختن ابنه في يومه الثامن وأن الختان لم يتم إلاّ على الابن البكر. ويعني أيضاً أن موسى نفسه لم يُختن وقد اكتفت زوجته بمس رجليه (وهذا ربّما تعبير مؤدّب عن مس عضوه التناسلي) بيديها الملطّختين بدم ابنها البكر. وهناك رواية يهوديّة تقول إن الذي لاقى موسى ليس الله بل الملاك، وفي رواية ثالثة هو الشيطان.
وعقوبة القطع من الشعب بالعبريّة: قريطوت (وتذكّرنا بالكلمة العربيّة: قرط، وقد ترجمت بالإنكليزيّة: extirpation) تقع في التوراة حسب المشنا على 36 جريمة منها 15 جريمة ذات صلة بالعلاقات الجنسيّة غير المشروعة واستباحة السبت الخ. وقد ذكرت المشنا ترك الختان آخر قائمة تلك الجرائم . ومن غير الواضح معنى هذه العقوبة. فسفر الخروج يقول صراحة إن استباحة السبت تعاقب بالقتل: «فاحفظوا السبت، فإنه مقدّس لكم، من استباحه يقتل قتلاً. كل من يعمل فيه عملاً تفصل تلك النفس من وسط شعبها» (الخروج 14:13). وفي حالة اقتراف إحدى تلك الجرائم سهواً، فإنه يجب عليه أن يقدّم للكاهن ذبيحة تضحية، كبش تام من الغنم يقدّر بمقدار الإثم (الأحبار 17:5-18) . وأمّا بخصوص الختان، فمنهم من رأى أن القطع الذي يتعرّض له من لا يختن يعني القتل، ومنهم من اعتبره حرمان الشخص من عضويّة المجتمع اليهودي أو نفيه، وهو مصير أشر من الموت. ومنهم من اعتبر أن الجزاء الوحيد لعدم الختان هو الجزاء بعد الحياة الدنيا. ومهما يكن، فإن للختان عواقب مُهمّة. فالأغلف يعتبر نجساً، فلا يحق له المشاركة بالأعياد ولا يدخل الهيكل ولا القدس، كما لا يحق له الزواج من يهوديّة ولا يُناسب، ولا يحق معاشرته لا في الحياة ولا في الموت، ولا نصيب له في الآخرة. وهو ما سنراه في النقاط اللاحقة.
ويتساءل «فيلون» لماذا فرضت التوراة عقوبة القطع على الطفل غير المختون رغم أن لا ذنب له. فيجيب أن البعض فسّر هذه العقوبة بأنها تقع على الأهل وليس على الطفل. وغيرهم رأى فيها أسلوباً لمعاقبة الأهل من خلال وقوعها على الطفل. وللخروج من هذه الأزمة، يحاول «فيلون» تقديم تفسيراً رمزياً. فهو يرى أن ختان الذكر يعني ختان العقل، أي بالتخلّص من الرذائل والشهوات. والقطع الذي يتم بسبب عدم الختان يخص ليس موت الجسد، بل موت النفس. ولذلك جاء في النص «تفصل تلك النفس من ذويها». فلم يقل النص إنه يجب فصل الجسد، بل فصل النفس.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال