رأي مريم بولاك في الختان.. وجوب عمل مراسيم دينيّة غير عنيفة تتم على الذكور والإناث على السواء وعمل عهد دون قطع

رأي مريم بولاك:
في مقال تشرح فيه نظرتها للختان كامرأة، تقول هذه السيّدة اليهوديّة الأمريكيّة إن الختان هو في صميم عدم المساواة بين الذكور والإناث في اليهوديّة. فهو للذكور علامة انتماء للشعب أو الإيمان اليهودي. أمّا للمرأة اليهوديّة فإنه قد يكون له معنى إلى أن تحمل. وعندها ترتجف في أحاسيسها الداخليّة آملة بأن يكون المولود أنثى. فكثير من الأمّهات اليهوديّات أحسسن بهذه المشكلة بخجل. نحن لا نخجل من انتقاد الختان، ولكن نخجل من التعبير عن شعورنا لأن في ذلك تصدٍّ لعادات أجيال كثيرة سبقتنا ومس بالهويّة اليهوديّة وتعريضها للخطر وخلق مشاكل مع الأهل ودخول منطقة يسيطر عليها الرجال والتصادم معهم. فالثمن الذي تدفعه الأم اليهوديّة إن أرادت التصارع في هذا الموضوع باهظ جدّاً. وكل منّا تعرف أنها إذا رفضت ختان ابنها فقد تُنبذ من شعبها. وقد ختنت أبنائي لهذا السبب وصراخهم ما زال عالق في ذهني.
وتشرح المؤلّفة الأسباب الطبّية والصحّية التي أدّت دون أساس علمي إلى انتشار الختان في الولايات المتّحدة وكيف أن الختان يفقد الذكر جزءاً حسّاساً من جسمه. والوظائف الطبيعيّة إذا ما تم تعكيرها فإن العقل والروح يتعكّران أيضاً. وأمام بتر ابنها، تتألّم الأم وتتحرّق، ومَن حولها يحاولون إقناعها بأنها تنفعل أكثر من اللزوم، متجاهلين شعورها وشعور ابنها. والأبناء الذين لا يصرخون تحت الختان قد يكونوا تحت التخدير بسبب المخدّر الذي أعطي لأمّهم خلال الولادة. والختان يترك عندهم أثراً نفسيّاً، خاصّة بسبب فقدان الثقة التي تنتج عن فصله عن أمّه وقطعه دون أن تتدخّل للدفاع عنه.
وتشرح المؤلّفة كيف أن الختان كان موجوداً قَبل اليهوديّة وكيف أن الرجل هو الذي كان مسيطراً على المجتمع اليهودي. فقد طلب الله من إبراهيم أن يقدّم ابنه إسحاق ذبيحة له، ولا ذِكر في هذه القصّة لسارة أمّه. فقد تم تجاهلها تماماً. والنص التوراتي يتكلّم عن إسحاق وكأنه ابن إبراهيم وحده بينما لإبراهيم أيضاً إسماعيل. فإسحاق هو الابن الوحيد لسارة ورغم ذلك فقد تجاهلها النص تماماً في قرار تقديم الذبيحة. وقد نجح إبراهيم ليس فقط في امتحان قبوله تضحية ابنه بل أيضاً في تجاهل امرأته. وهكذا أصبحت سارة في حُكم الميّتة وأصبح إبراهيم أباً للأمم. ولكن بقي أثر لدور المرأة إذ يُعتبر اليهودي من ولد من أم يهوديّة. وقد جاء الختان لكي ينافس قوّة الأم ويربط الطفل بقومه من خلال قضيبه. وقد تم التشديد في أسلوب عمل الختان لتثبيت الهويّة اليهوديّة رغم أن هذه العلامة سبّبت اضطهاد الشعوب لليهود. فاليهود فضَّلوا الإبقاء على الختان حتّى لا يذوبوا بالشعوب الأخرى. وانتقاد الختان يعتبر اليوم تصدّياً للهويّة اليهوديّة وتعريضها للخطر، وكل نقد للختان أصبح يدخل تحت خانة معاداة الساميّة. وبقي الختان أسلوباً لفصل الطفل عن أمّه والتعدّي على سلطتها ورباطها مع ابنها: «أيتها الأم، ليس في إمكانك حماية ابنك». فتجبر الأم على التخلّي عن شعورها كأم وتترك ابنها للذكور. والأم كما في ختان الإناث، تتخلّى عن ابنها وبنتها وتقبل قطعها حماية لقبيلتها. ومن الغلط استعمال كلمة ختان الذكور والإناث. فهذه كلمة لا معنى لها. إن ما يجرى هو في حقيقة الأمر بتر أعضاء جنسيّة وتعسّف واقع على الأطفال.
وتحاول المؤلّفة التحايل على القواعد الدينيّة اليهوديّة الآمرة بالختان مبرهنة بأن ما يجرى مخالف للقواعد الدينيّة اليهوديّة مثل احترام حياة وجسم الإنسان. حتّى السبت يمكن أن يُترَك لهذا الهدف. والتوراة والتلمود يفرضان الرحمة حتّى للحيوان. وكذلك يجب عدم تخريب ثمار الأرض حتّى في زمن الحرب. والختان مخالف لهذه الوصيّة.
وتضيف المؤلّفة بأنه يجب اعتبار الدين اليهودي ديناً قابلاً للتكميل وليس ديناً كاملاً. ولذلك يجب إعادة النظر في الختان وفي مركز المرأة في اليهوديّة. فيجب عمل مراسيم دينيّة غير عنيفة تتم على الذكور والإناث على السواء، وعمل عهد دون قطع (بالعبريّة: بريت بلا ميلا)، ويجب أن نساعد الرجل في كفاحه لمراجعة فكرة الذكورة المبنيّة على الخوف من النساء.
وتذكر المؤلّفة في مقال آخر أن الختان كما يُمارس اليوم يختلف تماماً عن الختان كما كان يمارس قَبل العصر الإغريقي والروماني. فقد كان الختان يتم ببتر الجزء الذي يزيد عن الحشفة، ممّا يعني ترك جزء كبير من جلد الذكر سليماً. وهذا كان يسمح لليهود أن يمدّوا جلد الذكر لتغطية الحشفة في الألعاب الأولمبيّة وتفادي سخرية الإغريقيين والرومان منهم واضطهادهم. وعند ذلك قرّر رجال الدين اليهود ممارسة الختان بأسلوب أكثر شدّة ببتر أكبر كمّية ممكنة من جلد الذكر لمنع مد الجلد. وكان هذا تحدّي للاضطهاد ولموقف العداء ضد اليهود وتثبيتاً لهويّتهم خوفاً من الاندماج في المجتمعات التي تحيط بهم. ولذلك اعتبر كل تعدّي على الختان تعدّياً على الشعب اليهودي.
وتُنكر المؤلّفة أن الختان هو تثبيت للهويّة اليهوديّة. فهناك يهود مختونون لا صلة لهم باليهوديّة. كما أن النساء اليهوديّات حافظن على هويّتهن اليهوديّة عبر القرون رغم أنهن غير مختونات. ولذلك للختان معنى غير الهويّة القوميّة أو الروحيّة. إنه مرتبط بسيطرة الرجل على المرأة. فهو يبطل سلطة الأم بفصل الطفل عنها وإيذائه دون تمكّنها من الدفاع عنه في أشد الأوقات تعلّقاً بطفلها، أي بعد ميلاده. فالسكّين المصوّب إلى ذكر الطفل هو في حقيقته مصوّب إلى قلب ونفس الأم. والختان هو جرح للأم وإخضاع لها. فبالختان يتم توجيه خطاب للأم فحواه: «إن سلطتك على الذكور محدودة وهذا الطفل ينتمي إلى الرجال». وهكذا يتم تشويش العلاقة بين الرجل والمرأة وبين الطفل وأمّه. وفصل الطفل عن أمّه هو مقدّمة لفصله عنها ثانية عندما يُجبَر على الالتحاق بالجيش .
وتعيد المؤلّفة أن الختان وسيلة لإضعاف اللذّة الجنسيّة كما يقول ابن ميمون. فالختان إذاً هو عمليّة ضد أمرين يخاف منهما اليهودي: المرأة والجنس. فالختان هو ضرورة للمجتمع الذكوري، ولكنّه ليس أمراً مقدّساً. وهو مخالف لمبادئ احترام الحياة وعدم إيذاء الحي الذي تقول به الشريعة اليهوديّة.
وتطالب الكاتبة اليهود بأن يطرحوا موضوع قدسيّة الختان. وتقول للذين يدّعون أن الختان هو تعبير عن بقائهم، إن اليهوديّة بقيت رغم الأوقات العصيبة خلال 4000 سنة بسبب مقدرتها على التطوّر. وقد تم حذف التضحية الحيوانيّة. وبعد أن هُدِم الهيكل وطُرد اليهود من وطنهم فإنهم حافظوا على هويّتهم دون أرض ودون هيكل. وقد حمل اليهود معهم ثقافتهم ولغتهم وموسيقاهم. فأصبح دينهم محمولاً في عقولهم وليس في قضيبهم. تضيف بأنه كما أن الملاك أوقف يد إبراهيم لكي لا يذبح ابنه، علينا أيضاً أن نتدخّل لنمنع السكّين الموجّه ضد الأعضاء الجنسيّة لأطفالنا الأبرياء. وهكذا نقرّر ما هو مقدّس في عاداتنا .
أحدث أقدم

نموذج الاتصال