لقد حاول البعض تفسير الختان اليهودي من خلال ربطه بمفاهيم توراتيّة وعادات يهوديّة أخرى.
فالعادات قد تحل محل عادات سابقة أكثر عنفاً وثقلاً على الإنسان مع تطوّر الفكر البشري ومتطلّبات الحياة الاجتماعية. ولكن تبقى بعض الآثار للعادات القديمة نسي سببها وعلاقتها بالعادات المستحدثة.
وأوّل تلك المفاهيم التي تفرض نفسها هي تلك المتعلّقة بالقرابين. فهناك من يرى في الختان اليهودي عمليّة بديلة للتضحية البشريّة وموازية للتضحية الحيوانيّة.
فمن المعروف أن الشعوب الشرقيّة مارست تضحيّة أحد أبناء العائلة للآلهة.
وقد احتفظت لنا التوراة بآثار هذه العادة من خلال قصّة أمر الله لإبراهيم بتضحية ابنه البكر. فأعد إبراهيم حطب المحرقة وربط ابنه فوق الحطب هامّاً ذبحه وحرقه لله.
ولكن تم استبدال الابن بكبش بأمر من ملاك (التكوين 1:22-13).
فتحوّلت هكذا القرابين البشريّة إلى قرابين حيوانيّة. ووازى هذا التحوّل تقديم ألبوا كير: «فائض بيدرك لا تبطئ في تقريبه، وبكر بنيك تعطيني إيّاه.
وكذلك تصنع ببقرك وغنمك. سبعة أيّام يكون مع أمّه، وفي اليوم الثامن تعطيني إيّاه» (الخروج 28:22-29).
ونحن نلاحظ أن اليوم الثامن هو أيضاً يوم الختان عند اليهود.
وفيما يخص أبكار الإنسان، تقول التوراة إن الله قد اختار اللاويين بدلاً عن باقي الشعب، فكان على اليهودي أن يدفع للاويين خمسة مثاقيل من الفضّة فداء لأبكارهم.
وهذه العادة ما زالت تمارس بين اليهود حسب طقس خاص يدعى طقس الفداء.
فالفداء حل محل الذبائح البشريّة التي كانت تمارسها الشعوب الأخرى والتي منعتها التوراة: «لا تصنع هكذا نحو الرب إلهك، فإنها صنعت لآلهتها كل قبيحة يكرهها الله، حتّى أحرقت بنيها وبناتها بالنار لآلهتها» (تثنية 13:12).
ولكن اليهود استمروا على تلك العادة. فقد أحرق الملك اليهودي آحاز ابنه «بالنار، على حسب قبائح الأمم» (2 ملوك 3:16).
وكان في القدس محرقة تدعى « تُوفَت» بوادي ابن هنوم، يحرق عليها اليهود بنيهم وبناتهم بالنار (أرميا 31:7).
وقد وبّخ على ذلك النبي حزقيال: «وأخذت أبناءك وبناتك الذين ولدتهم لي فذبحتهم لها [للتماثيل] طعاماً.
أفكانت فواحشك أمراً يسيراً؟ انك ذبحت بني وسلّمتهم ليمرّوا في النار لأجلها» (حزقيال 20:16-21).
وربّما قد تكون عمليّة تضحية الأطفال قد تحوّلت أيضاً إلى تضحية الأعضاء الجنسيّة من خلال الخصي الذي حرّمته التوراة فيما يخص رجال الدين: «لا يدخل مرضوض الخصيتين ولا مجبوب في جماعة الرب» ( تثنية 32:1).
وكلمة مجبوب تعني الرجل الذي قطع ذكره. وعمليّة الخصي تحوّلت بدورها إلى ختان.
ويقول مؤلّف يهودي حديث إن الختان عبارة عن ضحيّة يقدّمها الأب لله لخلاص نفسه.
وبهذا تشبه ما عزم إبراهيم عمله طاعة لأمر الله عندما عزم تضحية ابنه إسحاق كما سبق ذكره.
وقد تبع طاعة إبراهيم لله وعد من الله: «بما أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك عني ابنك وحيدك، لأباركنك وأكثرن نسلك كنجوم السماء وكالرمل علي شاطئ البحر، ويرث نسلك مدن أعدائه، ويتبارك بنسلك جميع أمم الأرض، لأنك سمعت قولي» (التكوين 16:22-18).
ونحن نجد علاقة بين فكرة تكثير النسل وتكثير الغلة بعد استئصال جزء منه في سفر الأحبار: «وإذا دخلتم الأرض وغرستم كل شجر يؤكل، فاصنعوا بثمره صنيعكم بغلفته: ثلاث سنين يكون لكم أغلف لا يؤكل منه.
وفي السنة الرابعة يكون ثمره قدس ابتهاج للرب. وفي السنة الخامسة تأكلون ثمره لتزداد لكم غلته» (23:19-25).
وقد احتار المفسّرون في فهم هذه الآية.
هذا ويرى البعض أن الختان كان يجرى في الأصل على البالغين كما تبيّنه بعض نصوص التوراة فيما يخص ختان إسماعيل (التكوين 25:17) وختان ابن موسى (الخروج 25:4-26) وختان من ولدوا في البرّية بعد الخروج من مصر (يشوع فصل 5).
فتكون عمليّة الختان عتبة لدخول مرحلة الرجولة والزواج.
وهذا ما قد يفسّر ما جاء بخصوص ختان صفّورة، زوجة موسى، لابنه البكر وقولها: «انك لي عروس دم» (الخروج 25:4).
و«عروس دم» هي في الأصل العبري «ختن دميم»، وقد فُهِمت كلمة «ختن» بأنها تعني «عروس» وذلك بالرجوع إلى تلك الكلمة في اللغة العربيّة لعدم وجودها في اللغة العبريّة.
وذلك يعني أن زوجة موسى لم تكن يهوديّة. واليهود يمارسون طقساً دينيّاً في سن الصبا يطلقون عليه طقس التثبيت (بار متسفا) قد يكون بديلاً لعمليّة الختان التي كانت تجرى في ذاك العمر قديماً.
ويُظن أيضاً أن الختان الذي يجرى على الرجل قَبل الزواج وإنزال دم من ذكره هو عمليّة موازية لعمليّة فك البكارة وإنزال الدم من الزوجة ليلة الزواج في العلاقة الجنسيّة الأولى والذي يتم إثباته بواسطة منديل مبلل بدم الزوجة (تثنية 13:22-19).
ومن هنا جاءت كلمة الختان والختن بالعربيّة تعبيراً عن عمليّة الختان والزواج أو حتّى الزوج أو الحمو (أب الزوج أو أب الزوجة) كما ذكرنا في الجزء الأوّل.
كما يُظن أن استعمال الصوّان لإتمام الختان في قصّة صفّورة وفي قصّة ختان يشوع لليهود في البرّية (يشوع فصل 5) هو إشارة واضحة إلى محاكاة لعمليّة الختان التي تصوّرها لنا النقوش المصريّة والتي يُستعمل فيها الصوّان للختان.
وقد ذكرنا سابقاً أن قصّة صفّورة في التوراة تعتبر أقدم نص توراتي يذكر الختان.
ويرجع تاريخ إدخاله في التوراة إلى القرن العاشر قَبل المسيح.
وهذه القصّة تسبق قصّة ختان إبراهيم التي أضيفت إلى التوراة بعد القرن السادس قَبل المسيح.
ويُظن أن الختان قد تحوّل في زمن سيطرة رجال الدين اليهود من إشارة قبليّة ومراسيم تسبق الزواج إلى أمر ديني جاء من الله يجعل منه علامة عهد بين الله والقبيلة المذكورة.
ولهذه الغاية اخترعوا قصّة أمر الله بختان إبراهيم لتبرير كل هذا التحوّل الذي أرادوا فرضه على المجتمع.
ويقول حاخام يهودي حديث إن رجال الدين اليهود فهموا أن العضو التناسلي هو خالق الحياة.
وقد دمغ الله عهده على الذكر حتّى يتذكّر الإنسان أن العضو الجنسي هو هبة من الله ويجب التقرّب منه كهبة إلهيّة.
ويضيف أن الختان لا علاقة له بالصحّة الجسديّة رغم أنه لا شك - حسب رأيه- أن فيه بعض الفوائد الصحّية.
التسميات
ختان