المظاهر السريرية للزهري عبر مراحله المختلفة: دليل شامل للأعراض والعلامات المميزة للزهري الأولي والثانوي والكامن والثالثي والخلقي

المظاهر السريرية للزهري: دليل شامل ومتكامل

الزهري (Syphilis) هو عدوى بكتيرية تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، تسببها بكتيريا اللولبية الشاحبة (Treponema pallidum). يتميز الزهري بمسار سريري معقد يتطور على مراحل متعددة، ولكل مرحلة مظاهر سريرية مميزة. إذا لم يتم علاجه، يمكن أن يؤدي الزهري إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على أعضاء مختلفة من الجسم.

مقدمة إلى مراحل الزهري:

ينقسم الزهري غير المعالج تقليديًا إلى أربع مراحل رئيسية:
  • الزهري الأولي (Primary Syphilis): يتميز بظهور قرحة غير مؤلمة في موقع دخول البكتيريا إلى الجسم.
  • الزهري الثانوي (Secondary Syphilis): يتميز بطفح جلدي واسع الانتشار وأعراض جهازية أخرى.
  • الزهري الكامن (Latent Syphilis): مرحلة بدون أعراض سريرية، ولكن لا تزال البكتيريا موجودة في الجسم. يمكن أن يكون مبكرًا (أقل من سنة) أو متأخرًا (أكثر من سنة).
  • الزهري الثالثي (Tertiary Syphilis): مرحلة متأخرة تحدث بعد سنوات من الإصابة الأولية غير المعالجة، وتتميز بمضاعفات خطيرة تؤثر على القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي والأعضاء الأخرى.
بالإضافة إلى هذه المراحل، هناك أيضًا:
  • الزهري الخلقي (Congenital Syphilis): ينتقل من الأم المصابة إلى الجنين أثناء الحمل.
سنتناول في هذا الموضوع المظاهر السريرية لكل مرحلة من هذه المراحل بالتفصيل.

1. الزهري الأولي (Primary Syphilis):

  • فترة الحضانة: تتراوح عادة بين 10 إلى 90 يومًا (متوسط 3 أسابيع) بعد التعرض للبكتيريا.
  • الشانكر (Chancre): العلامة المميزة للزهري الأولي هي ظهور قرحة غير مؤلمة تسمى الشانكر في موقع دخول البكتيريا إلى الجسم. غالبًا ما يظهر الشانكر على الأعضاء التناسلية (القضيب، الفرج، المهبل، عنق الرحم)، ولكن يمكن أن يظهر أيضًا في مناطق أخرى مثل الفم، الشفتين، اللسان، الشرج، أو الأصابع.
  1. يكون الشانكر عادةً صلبًا، دائريًا، وذا حواف مرتفعة وقاعدة نظيفة.
  2. عادة ما يكون الشانكر واحدًا، ولكن قد تظهر عدة شانكرات في بعض الحالات.
  3. يكون الشانكر غير مؤلم، مما قد يؤدي إلى عدم ملاحظته في بعض الأحيان، خاصة إذا كان موجودًا داخل المهبل أو المستقيم.
  • اعتلال العقد اللمفاوية الإقليمي: قد يترافق ظهور الشانكر مع تضخم غير مؤلم في العقد اللمفاوية القريبة من موقع الإصابة.
  • الشفاء التلقائي: يشفى الشانكر تلقائيًا في غضون 3 إلى 6 أسابيع حتى بدون علاج. ومع ذلك، فإن شفاء الشانكر لا يعني زوال العدوى، حيث لا تزال البكتيريا موجودة في الجسم وتنتقل إلى المرحلة الثانوية إذا لم يتم العلاج.

الزهري الثانوي (Secondary Syphilis):

تبدأ أعراض الزهري الثانوي عادةً بعد 2 إلى 12 أسبوعًا من ظهور الشانكر، أو قد تتداخل مع شفاء الشانكر الأولي. تتميز هذه المرحلة بانتشار البكتيريا في جميع أنحاء الجسم، مما يؤدي إلى مجموعة واسعة من المظاهر السريرية:
  • الطفح الجلدي: هو العرض الأكثر شيوعًا في الزهري الثانوي. يتميز بما يلي:
  1. عادة ما يكون طفحًا غير مثير للحكة.
  2. يمكن أن يظهر في أي مكان على الجسم، بما في ذلك الجذع والأطراف وراحتي اليدين وباطني القدمين (وهي علامة مميزة).
  3. قد يكون الطفح بقعيًا (macular)، أو حطاطيًا (papular)، أو مختلطًا.
  4. قد يختلف مظهره وقد يحاكي طفحات جلدية أخرى، مما يجعل التشخيص صعبًا في بعض الأحيان ("المقلد العظيم").
  • آفات الأغشية المخاطية: قد تظهر تقرحات أو بقع بيضاء رمادية (mucous patches) في الفم، الحلق، الأنف، أو الأعضاء التناسلية. هذه الآفات معدية للغاية.
  • الثرامات اللطيفة (Condylomata Lata): هي آفات رطبة، مرتفعة، تشبه الثآليل، تظهر في المناطق الرطبة والدافئة مثل الأعضاء التناسلية، حول الشرج، وثنايا الجلد. وهي أيضًا معدية للغاية.
  • أعراض جهازية: قد يعاني المرضى من أعراض تشبه أعراض الأنفلونزا، مثل:
  1. حمى.
  2. تعب وإرهاق.
  3. صداع.
  4. آلام في العضلات والمفاصل.
  5. التهاب الحلق.
  6. فقدان الشهية.
  7. فقدان الوزن.
  • اعتلال العقد اللمفاوية المعمم: تضخم في العقد اللمفاوية في جميع أنحاء الجسم.
  • تساقط الشعر البقعي (Alopecia): قد يحدث تساقط شعر بشكل بقعي، غالبًا ما يوصف بأنه "أكلته العثة" (moth-eaten appearance).
  • مظاهر أخرى أقل شيوعًا: قد تشمل التهاب القزحية (uveitis)، التهاب السحايا (meningitis)، التهاب الكبد (hepatitis)، التهاب الكلى (nephritis)، والتهاب العظام (periostitis).
تختفي أعراض الزهري الثانوي عادةً في غضون أسابيع إلى أشهر، حتى بدون علاج. ومع ذلك، فإن العدوى لا تزال موجودة وتنتقل إلى المرحلة الكامنة.

3. الزهري الكامن (Latent Syphilis):

هذه المرحلة لا توجد فيها أي أعراض سريرية ظاهرة. يتم تشخيص الزهري الكامن عن طريق اختبارات الدم الإيجابية للزهري في شخص ليس لديه علامات أو أعراض سريرية للعدوى. ويقسم الزهري الكامن إلى:
  • الزهري الكامن المبكر (Early Latent Syphilis): يحدث خلال السنة الأولى بعد انتهاء المرحلة الثانوية. قد يكون المرضى في هذه المرحلة معديين.
  • الزهري الكامن المتأخر (Late Latent Syphilis): يحدث بعد أكثر من سنة من انتهاء المرحلة الثانوية. يعتبر المرضى في هذه المرحلة أقل عدوى، باستثناء إمكانية انتقال العدوى إلى الجنين أثناء الحمل.
يمكن أن تستمر مرحلة الزهري الكامن لسنوات عديدة. حوالي ثلث الأشخاص المصابين بالزهري الكامن غير المعالج سيتطور لديهم الزهري الثالثي.

الزهري الثالثي (Tertiary Syphilis):

تحدث هذه المرحلة المتأخرة من الزهري في حوالي 15-30% من الأشخاص غير المعالجين، وعادة ما تظهر بعد 10 إلى 30 عامًا من الإصابة الأولية. يتميز الزهري الثالثي بتلف خطير في العديد من أجهزة الجسم:

1. الزهري اللثوي (Gummatous Syphilis):

يتميز بتكوين آفات تسمى اللثة (gummas). هذه اللثة هي أورام حبيبية غير سرطانية يمكن أن تؤثر على الجلد والعظام والكبد وأي عضو آخر في الجسم. قد تكون اللثة مدمرة وتسبب تشوهات كبيرة.

2. الزهري القلبي الوعائي (Cardiovascular Syphilis):

يؤثر على القلب والأوعية الدموية، وخاصة الشريان الأورطي. يمكن أن يؤدي إلى:
  • التهاب الأبهر (Aortitis): التهاب جدار الأورطي.
  • تمدد الأوعية الدموية الأبهري (Aortic Aneurysm): ضعف وتوسع في جدار الأورطي، مما قد يؤدي إلى تمزقه المفاجئ والمميت.
  • قصور الصمام الأبهري (Aortic Valve Regurgitation): تسرب الدم للخلف عبر الصمام الأبهري.
  • تضيق فتحات الشرايين التاجية (Coronary Ostial Stenosis): تضييق فتحات الشرايين التي تغذي القلب، مما قد يؤدي إلى الذبحة الصدرية.

3. الزهري العصبي (Neurosyphilis):

يؤثر على الجهاز العصبي المركزي. يمكن أن يحدث في أي مرحلة من مراحل الزهري، ولكنه أكثر شيوعًا في المرحلة الثالثية. تشمل مظاهره:
  • الزهري العصبي اللاعرضي (Asymptomatic Neurosyphilis): وجود دليل على إصابة الجهاز العصبي دون أي أعراض سريرية.
  • التهاب السحايا الزهري (Syphilitic Meningitis): التهاب الأغشية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي، مما يسبب صداعًا وتصلبًا في الرقبة وحمى.
  • التهاب الأوعية الدموية الدماغية الزهري (Meningovascular Syphilis): التهاب الأوعية الدموية في الدماغ والحبل الشوكي، مما قد يؤدي إلى السكتة الدماغية.
  • الشلل العام (General Paresis): شكل متقدم من الزهري العصبي يؤدي إلى تغيرات في الشخصية، اضطرابات في المزاج، ضعف في الذاكرة، صعوبات في التفكير، وفي النهاية الخرف والشلل.
  • التابس الظهري (Tabes Dorsalis): تلف تدريجي في الأعصاب الحسية في الحبل الشوكي، مما يؤدي إلى فقدان الإحساس بالاهتزاز واللمس العميق، وعدم الثبات في المشي (الرنح)، وآلام حادة في الساقين ("آلام الطعن"). قد يؤثر أيضًا على المثانة والأمعاء.
  • حدقة أرغيل روبرتسون (Argyll Robertson Pupil): حدقات صغيرة غير منتظمة الشكل لا تتفاعل مع الضوء ولكنها تتكيف مع التقارب.
  • الزهري العيني (Ocular Syphilis): يمكن أن يؤثر على أي جزء من العين ويسبب التهاب القزحية، التهاب المشيمية والشبكية، التهاب العصب البصري، وفقدان البصر.
  • الزهري الأذني (Otosyphilis): يمكن أن يؤثر على الأذن الداخلية ويسبب فقدان السمع، طنين الأذن، والدوخة.

الزهري الخلقي (Congenital Syphilis):

يحدث الزهري الخلقي عندما تنتقل بكتيريا اللولبية الشاحبة من الأم المصابة إلى الجنين أثناء الحمل، وعادة عبر المشيمة. يمكن أن يؤدي الزهري الخلقي إلى مضاعفات خطيرة وحتى وفاة الجنين أو الوليد.
وتعتمد المظاهر السريرية للزهري الخلقي على وقت انتقال العدوى ومرحلة الحمل. يمكن تقسيمه إلى:

1. الزهري الخلقي المبكر:

يظهر خلال أول سنتين من العمر ويتضمن:
  • التهاب الأنف الزهري (Syphilitic Rhinitis أو "Snuffles"): إفرازات أنفية دموية أو مخاطية.
  • طفح جلدي: قد يكون فقاعيًا أو تقشريًا، خاصة على راحتي اليدين وباطني القدمين.
  • تضخم الكبد والطحال (Hepatosplenomegaly).
  • اليرقان (Jaundice).
  • فقر الدم (Anemia).
  • تشوهات العظام (Osteochondritis).
  • التهاب السحايا (Meningitis).
  • شلل كاذب في الأطراف (Pseudoparalysis of Parrot): شلل في الأطراف ناتج عن ألم في العظام.

2. الزهري الخلقي المتأخر:

يظهر بعد سنتين من العمر ويتضمن:
  • ثلاثية هاتشينسون (Hutchinson's Triad): أسنان هاتشينسون (قواطع علوية مسننة وضيقة)، التهاب القرنية الخلالي (interstitial keratitis) الذي يسبب مشاكل في الرؤية، وصمم العصب الثامن (eighth nerve deafness).
  • تشوهات أخرى في الأسنان: أسنان المولبيري (molberry molars).
  • تشوهات في العظام: أنف سرجي (saddle nose)، نتوءات على قصبة الساق (saber shins).
  • الزهري العصبي المتأخر: قد يؤدي إلى ضعف عقلي ونوبات صرع.
  • التهاب المفاصل (Clutton's joints).
  • لثة (Gummas) في الأنف والحنك والجلد.

التشخيص:

يعتمد تشخيص الزهري على التاريخ الطبي والفحص السريري والاختبارات المعملية. تشمل الاختبارات المعملية:
  • الاختبارات المباشرة: الكشف عن بكتيريا اللولبية الشاحبة مباشرة من عينات الآفات (مثل الشانكر أو الثرامات اللطيفة) باستخدام الفحص المجهري ذي المجال المظلم (dark-field microscopy) أو اختبار التألق المناعي المباشر (direct fluorescent antibody test).
  • الاختبارات غير التربونيمية (Non-treponemal tests): تقيس الأجسام المضادة للدهون التي تفرزها الخلايا التالفة أثناء الإصابة بالزهري (مثل اختبار VDRL و RPR). تستخدم هذه الاختبارات بشكل أساسي للفحص وتقييم الاستجابة للعلاج.
  • الاختبارات التربونيمية (Treponemal tests): تقيس الأجسام المضادة الخاصة ببكتيريا اللولبية الشاحبة (مثل اختبار FTA-ABS و TP-PA). تستخدم هذه الاختبارات لتأكيد التشخيص بعد أن يكون الاختبار غير التربونيمي إيجابيًا.

العلاج:

يعالج الزهري بالمضادات الحيوية، وعادة ما يكون البنسلين هو الدواء المفضل. يعتمد نوع الجرعة ومدة العلاج على مرحلة الزهري والمظاهر السريرية.

الوقاية:

تشمل تدابير الوقاية من الزهري استخدام الواقي الذكري أثناء الاتصال الجنسي، وتجنب الاتصال الجنسي مع شركاء متعددين، وإجراء فحوصات منتظمة للأمراض المنقولة جنسيًا، خاصة للأفراد المعرضين للخطر. يجب فحص النساء الحوامل للكشف عن الزهري وعلاجه لمنع الزهري الخلقي.

خلاصة:

يتميز الزهري بمجموعة واسعة من المظاهر السريرية التي تختلف باختلاف مرحلة العدوى. من الشانكر غير المؤلم في المرحلة الأولية إلى الطفح الجلدي والأعراض الجهازية في المرحلة الثانوية، والمضاعفات الخطيرة التي تؤثر على الأعضاء الحيوية في المرحلة الثالثية، يتطلب الزهري وعيًا سريريًا دقيقًا للتشخيص والعلاج المناسبين لمنع المضاعفات طويلة الأمد. الفحص المنتظم والعلاج الفوري ضروريان للسيطرة على انتشار هذه العدوى الخطيرة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال