القراع: الانتانات الفطرية المزمنة لفروة الرأس، المسبب، الأعراض السريرية، التشخيص التفريقي، واستراتيجيات العلاج الحديثة

ما هو القراع؟

القراع (Favus) هو انتان فطري مزمن في فروة الرأس، وينجم بشكل أساسي عن الفطر "Trichophyton schoenleinii" (الفطر الشونلايني).

الأسباب وعوامل الخطر:

• المسبب الرئيسي: الفطر Trichophyton schoenleinii هو السبب الأكثر شيوعًا للقراع.
• مسببات أخرى نادرة: في حالات نادرة، قد تسبب فطريات أخرى مشابهة مثل Trichophyton violaceum أو أنواع من Microsporum أعراضًا مشابهة للقراع.
• طريقة الانتشار:

1. الاتصال المباشر: ينتقل الفطر عادةً عن طريق الاتصال المباشر مع شخص مصاب.
2. الأدوات الملوثة: يمكن أن ينتشر أيضًا عن طريق مشاركة الأدوات الشخصية الملوثة مثل الأمشاط، والفرش، وقبعات الرأس، والمناشف.
3. الحيوانات المصابة: في حالات نادرة، يمكن أن ينتقل من الحيوانات المصابة إلى الإنسان.

• عوامل تزيد من خطر الإصابة:

1. سوء النظافة الشخصية: عدم الاهتمام بالنظافة يزيد من احتمالية الإصابة وانتشار العدوى.
2. الاكتظاظ السكاني: الظروف المعيشية المزدحمة تسهل انتقال العدوى.
3. سوء التغذية: ضعف الجهاز المناعي الناتج عن سوء التغذية قد يزيد من القابلية للإصابة.
4. ضعف الجهاز المناعي: الأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة لأسباب مختلفة (مثل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، أو تناول أدوية مثبطة للمناعة) يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الفطرية بشكل عام.
5. العوامل الاجتماعية والاقتصادية: تاريخيًا، كان القراع أكثر شيوعًا في المناطق الفقيرة ذات الظروف الصحية المتدنية.

الأعراض والمظاهر السريرية:

يتطور القراع عادةً على عدة مراحل وقد يظهر بأشكال مختلفة:

• المرحلة المبكرة:

1. ظهور حطاطات حمامية صغيرة حول بصيلات الشعر.
2. قد يكون هناك قليل من التقشر.
3. الشعر في المنطقة المصابة قد يبدو سليمًا في البداية.

• المرحلة المميزة (ظهور السكوتولا - Scutula):

1. تتطور الحطاطات إلى قشور صفراء سميكة تشبه الأكواب أو الصحون الصغيرة، تعرف باسم السكوتولا (scutula).
2. تتكون السكوتولا من الفطريات، وخلايا الجلد الميتة، وبقايا الشعر.
3. عادةً ما يخرج الشعر من مركز السكوتولا.
4. قد تتجمع السكوتولا معًا لتشكل بقعًا كبيرة سميكة.
5. قد يصاحب ذلك رائحة كريهة تشبه رائحة الفئران.

• تساقط الشعر (Alopecia):

1. مع تقدم العدوى، يؤدي تلف بصيلات الشعر إلى تساقط الشعر في المناطق المصابة.
2. قد يكون تساقط الشعر بشكل بقع أو قد يشمل مناطق واسعة من فروة الرأس.
3. في الحالات غير المعالجة، يمكن أن يؤدي إلى تندب دائم وفقدان دائم للشعر (ندبة حاصة - cicatricial alopecia).

• أشكال أخرى للقراع: قد يظهر القراع بأشكال أقل شيوعًا تشمل:

1. القراع النخالي (Favus pityroides): يشبه قشرة الرأس أو التهاب الجلد الدهني مع تقشر خفيف.
2. القراع الصدفي (Favus psoriasiformis): يشبه مرض الصدفية.
3. القراع البصيلي (Favus follicularis): يظهر على شكل حطاطات شمعية مخروطية حول بصيلات الشعر.
4. القراع الفقاعي (Favus impetigoides): تظهر قشور صفراء تشبه القوباء.
5. القراع الحلئي (Favus herpetiformis): يظهر على شكل لويحات حمامية متقشرة مع حطاطات وبثور وقشور على الجذع والأطراف (نادر جدًا).

• إصابة الأظافر (Onychomycosis): في بعض الحالات، قد ينتشر القراع ليصيب الأظافر، مما يؤدي إلى تغير لونها، وسماكتها، وتشوهها.

التشخيص:

يعتمد تشخيص القراع على عدة عوامل:

• الفحص السريري: يفحص الطبيب فروة الرأس والأظافر بحثًا عن العلامات المميزة للقراع مثل السكوتولا وتساقط الشعر.
• الفحص المجهري (KOH preparation): يتم أخذ عينة من قشور فروة الرأس أو الشعر المصاب وفحصها تحت المجهر بعد معالجتها بمحلول هيدروكسيد البوتاسيوم (KOH). يساعد هذا الفحص في رؤية الخيوط الفطرية (hyphae) والأبواغ (spores) المميزة لفطريات القراع داخل الشعر.
• زرع الفطريات (Fungal culture): تعتبر زراعة الفطريات الطريقة الأكثر دقة لتحديد نوع الفطر المسبب للعدوى. يتم وضع عينة من فروة الرأس أو الشعر على طبق يحتوي على وسط غذائي مناسب لنمو الفطريات، ويتم تحديد نوع الفطر الذي ينمو.
• مصباح وود (Wood's lamp): قد يستخدم الطبيب مصباحًا خاصًا يصدر أشعة فوق بنفسجية (مصباح وود). بعض أنواع الفطريات التي تسبب سعفة الرأس (Tinea capitis) قد تتوهج تحت هذا الضوء، ولكن Trichophyton schoenleinii عادة لا يتوهج بشكل واضح.
• التصوير الجلدي (Dermoscopy/Trichoscopy): يمكن استخدام منظار الجلد لفحص فروة الرأس والشعر بتكبير عالٍ، مما يساعد في تحديد الأنماط المميزة للعدوى الفطرية.
• الخزعة الجلدية (Skin biopsy): في حالات نادرة أو غير نمطية، قد يلجأ الطبيب إلى أخذ خزعة من فروة الرأس وفحصها نسيجيًا لتأكيد التشخيص واستبعاد الحالات الأخرى.

العلاج:

يهدف علاج القراع إلى القضاء على الفطر ومنع انتشار العدوى وتقليل خطر حدوث مضاعفات مثل تساقط الشعر الدائم. يشمل العلاج عادةً:

• الأدوية المضادة للفطريات عن طريق الفم (Systemic antifungal medications): تعتبر الأدوية الفموية ضرورية لعلاج القراع بشكل فعال، حيث تخترق الدورة الدموية وتصل إلى بصيلات الشعر المصابة. تشمل الأدوية الشائعة:

1. غريزوفولفين (Griseofulvin): كان الدواء المفضل لعقود طويلة، ولكنه قد يتطلب دورات علاج أطول.
2. تيربينافين (Terbinafine): يعتبر فعالًا ضد العديد من الفطريات الجلدية وقد يتطلب دورات علاج أقصر.
3. إيتراكونازول (Itraconazole): خيار آخر فعال، خاصة في حالات مقاومة الأدوية الأخرى.
4. فلوكونازول (Fluconazole): قد يستخدم في بعض الحالات.
5. تعتمد الجرعة ومدة العلاج على عمر المريض ووزنه وشدة الإصابة ونوع الفطر.

• الأدوية المضادة للفطريات الموضعية (Topical antifungal medications): تستخدم كعلاج مساعد للأدوية الفموية للمساعدة في تقليل انتشار الفطريات على سطح فروة الرأس وتقليل خطر العدوى للآخرين. تشمل:

1. شامبو مضاد للفطريات: يحتوي على مواد مثل كيتوكونازول (ketoconazole) أو سيلينيوم سلفايد (selenium sulfide). يجب استخدامه بانتظام حسب تعليمات الطبيب.
2. كريمات ومراهم مضادة للفطريات: قد توضع على المناطق المصابة من الجلد المحيط بفروة الرأس إذا كانت مصابة.

• إزالة القشور والدهون المتراكمة: قد يوصي الطبيب بإزالة القشور السميكة (السكوتولا) بلطف من فروة الرأس للمساعدة في وصول الدواء إلى المنطقة المصابة. يمكن القيام بذلك عن طريق غسل فروة الرأس بماء دافئ واستخدام فرشاة ناعمة.
• قص الشعر: قد يوصى بقص الشعر القصير للمساعدة في العلاج وتقليل انتشار الفطريات.
• علاج إصابة الأظافر: إذا كانت الأظافر مصابة، فقد يتطلب علاجًا أطول بالأدوية الفموية و/أو الموضعية.

المضاعفات:

إذا لم يتم علاج القراع بشكل صحيح، فقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• تساقط الشعر الدائم (ندبة حاصة): يمكن أن يؤدي التلف الشديد لبصيلات الشعر إلى تندب وفقدان دائم للشعر في المناطق المصابة.
• التهابات ثانوية: قد تصاب المناطق المصابة بالبكتيريا، مما يستدعي علاجًا إضافيًا بالمضادات الحيوية.
• مشاكل نفسية واجتماعية: يمكن أن يؤثر تساقط الشعر والتشوهات في فروة الرأس بشكل كبير على ثقة الشخص بنفسه وصورته الذاتية، وقد يؤدي إلى القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية، خاصة لدى الأطفال.

الوقاية:

تتضمن تدابير الوقاية من القراع:

• الحفاظ على النظافة الشخصية الجيدة: غسل الشعر بانتظام وتجفيفه جيدًا.
• تجنب مشاركة الأدوات الشخصية: عدم مشاركة الأمشاط، والفرش، والقبعات، والمناشف مع الآخرين.
• فحص وعلاج الحيوانات الأليفة: إذا كان لديك حيوانات أليفة، فتأكد من فحصها وعلاجها إذا ظهرت عليها أي علامات للعدوى الفطرية.
• تجنب الاتصال المباشر مع الأشخاص المصابين: خاصة الأطفال المصابين في المدارس.
• التوعية: نشر الوعي حول طرق انتقال العدوى وأهمية العلاج المبكر.
• تعزيز الصحة العامة: تحسين الظروف الصحية والمعيشية للحد من انتشار العدوى في المجتمعات.
• غسل اليدين بانتظام: خاصة بعد لمس فروة رأس شخص آخر أو حيوان.

الأهمية التاريخية والانتشار الحالي:

• تاريخيًا، كان القراع مرضًا شائعًا ومنتشرًا على نطاق واسع، خاصة في المناطق ذات الظروف الصحية السيئة وسوء التغذية. قبل اكتشاف الأدوية المضادة للفطريات الفعالة، كان القراع يمثل مشكلة صحية كبيرة ويمكن أن يستمر لسنوات عديدة ويؤدي إلى تشوهات دائمة في فروة الرأس.
• مع تحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتوفر العلاجات الفعالة، أصبح القراع أقل شيوعًا في العديد من أنحاء العالم، ولكنه لا يزال موجودًا في بعض المناطق، خاصة في أفريقيا، وأجزاء من آسيا والشرق الأوسط، وبعض مناطق أوروبا الشرقية. من النادر رؤيته في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية حاليًا.

خلاصة:

في الختام، القراع هو عدوى فطرية خطيرة في فروة الرأس تتطلب تشخيصًا دقيقًا وعلاجًا فعالًا لمنع المضاعفات الدائمة. الوعي بطرق الانتشار واتخاذ تدابير الوقاية المناسبة يلعب دورًا هامًا في الحد من انتشار هذا المرض.