سعفة الرأس: من الألف إلى الياء في فهم الأنواع، التشخيص الدقيق، والإدارة العلاجية المثلى مع التركيز على الحد من الآثار طويلة الأمد

أنماط من سعفة الرأس:

سعفة الرأس (Tinea capitis) هي عدوى فطرية شائعة تصيب فروة الرأس وجذوع الشعر. تسببها أنواع مختلفة من الفطريات الجلدية (Dermatophytes). تختلف مظاهر سعفة الرأس سريريًا بشكل كبير بناءً على نوع الفطر المسبب، واستجابة المريض المناعية، وموقع الإصابة. فهم هذه الأنماط المختلفة ضروري للتشخيص الدقيق والعلاج الفعال.

1. النوع الجاف (Non-inflammatory Tinea Capitis):

• المسببات الشائعة: غالبًا ما يكون سبب هذا النوع هو الفطريات من نوع Trichophyton tonsurans و Microsporum canis.
• الخصائص السريرية:

1. المظهر: بقع دائرية أو غير منتظمة الشكل من تساقط الشعر الجزئي. تتميز هذه البقع بوجود قشور دقيقة تشبه النخالة أو قشرة الرأس الملتصقة بفروة الرأس. قد تكون القشور بيضاء أو رمادية.
2. الشعر: غالبًا ما يكون الشعر داخل المنطقة المصابة قصيرًا ومكسورًا بالقرب من سطح فروة الرأس، ولكنه قد لا يظهر كنقاط سوداء واضحة كما في النوع التالي.
3. الالتهاب: عادة ما يكون الالتهاب خفيفًا أو غير موجود. قد يكون هناك احمرار طفيف.
4. الحكة: قد تكون الحكة خفيفة أو متوسطة.

• التشخيص:

1. الفحص السريري: ملاحظة المظهر المميز للآفات.
2. فحص الشعر والقشور بالمجهر (KOH preparation): يتم كشط القشور وفحصها تحت المجهر بعد إضافة هيدروكسيد البوتاسيوم (KOH) للكشف عن الخيوط الفطرية والأبواغ.
3. زراعة الفطريات: يمكن زراعة عينة من الشعر والقشور على وسط غذائي خاص لتحديد نوع الفطر بدقة.

• التشخيص التفريقي: يجب التمييز بين هذا النوع وحالات أخرى تسبب تقشر فروة الرأس مثل:

1. قشرة الرأس (Seborrheic dermatitis): عادة ما تكون القشور أكثر دهنية وتنتشر على نطاق أوسع.
2. الصدف (Psoriasis): يتميز ببقع حمراء سميكة مغطاة بقشور فضية.
3. الحزاز المسطح (Lichen planus): قد يسبب تساقط الشعر مع التهاب وتندب.
4. التهاب الجلد التأتبي (Atopic dermatitis): قد يؤثر على فروة الرأس ويسبب حكة وتقشر.

• العلاج:

1. الأدوية المضادة للفطريات عن طريق الفم: هي العلاج الأساسي لسعفة الرأس وتشمل أدوية مثل غريزوفولفين (Griseofulvin)، وتيربينافين (Terbinafine)، وإيتراكونازول (Itraconazole)، وفلوكونازول (Fluconazole). تعتمد مدة العلاج والجرعة على نوع الفطر وعمر المريض ووزنه.
2. الشامبو المضاد للفطريات: يمكن استخدام شامبو يحتوي على الكيتوكونازول (Ketoconazole) أو سيلينيوم سلفايد (Selenium sulfide) كمساعد للعلاج الفموي لتقليل انتشار الأبواغ وتقليل خطر العدوى للآخرين.

2. "النقطة السوداء" (سعفة الرأس ذات النقطة السوداء) "Blackdot" (Black Dot Tinea Capitis) :

• المسببات الشائعة: غالبًا ما يكون السبب الرئيسي هو Trichophyton tonsurans.
• الخصائص السريرية:

1. المظهر: مناطق واضحة من تساقط الشعر. السمة المميزة هي ظهور نقاط سوداء صغيرة على سطح فروة الرأس، تمثل جذور الشعر المكسور داخل بصيلات الشعر.
2. الشعر: ينكسر الشعر المصاب على مستوى سطح الجلد أو تحته مباشرة، مما يترك هذه النقاط السوداء.
3. الالتهاب: يمكن أن يتراوح الالتهاب من خفيف إلى متوسط، مع احمرار وتقشر متفاوت الدرجات.
4. الحكة: قد تكون الحكة موجودة وتختلف في شدتها.
5. التطور: يمكن أن تكون هذه الآفات مزمنة وقد تمر دون أن يلاحظها المريض في البداية. قد تزول تلقائيًا في بعض الحالات، خاصة عند الأطفال بعد البلوغ، ولكن العلاج يوصى به دائمًا لمنع الانتشار والمضاعفات.

• التشخيص:

1. الفحص السريري: التعرف على النمط المميز لتساقط الشعر مع وجود النقاط السوداء.
2. فحص الشعر والقشور بالمجهر (KOH preparation): يكشف عن وجود الخيوط الفطرية داخل جذور الشعر المكسور.
3. زراعة الفطريات: ضرورية لتحديد نوع الفطر بدقة، خاصة وأن Trichophyton tonsurans هو سبب شائع لهذا النوع.

• التشخيص التفريقي: يجب التمييز بين هذا النوع وحالات أخرى تسبب تساقط الشعر مثل:

1. الثعلبة البقعية (Alopecia areata): تتميز ببقع صلعاء ملساء تمامًا بدون قشور أو نقاط سوداء.
2. نتف الشعر (Trichotillomania): اضطراب نفسي يؤدي إلى نتف الشعر بشكل قهري، وقد يشبه في بعض الأحيان النمط "Blackdot" ولكن عادة ما تكون هناك أنماط أكثر غرابة لتساقط الشعر.

• العلاج:

1. الأدوية المضادة للفطريات عن طريق الفم: ضرورية لعلاج هذا النوع وتشمل نفس الأدوية المذكورة في النوع الجاف (غريزوفولفين، تيربينافين، إيتراكونازول، فلوكونازول). غالبًا ما يكون العلاج أطول مقارنة بالعدوى الفطرية الجلدية الأخرى.
2. الشامبو المضاد للفطريات: يستخدم كعلاج مساعد لتقليل انتشار الأبواغ.

3. النوع المسمى الشهدة "Kerion" (Inflammatory Tinea Capitis):

• المسببات الشائعة: تحدث الشهدة نتيجة لاستجابة التهابية شديدة للفطريات الجلدية، وغالبًا ما تكون بسبب أنواع حيوانية المصدر مثل Microsporum canis و Trichophyton mentagrophytes. يمكن أن تحدث أيضًا بسبب أنواع أخرى مثل Trichophyton tonsurans.
• الخصائص السريرية:

1. المظهر: آفات منتفخة ومؤلمة في فروة الرأس تشبه الخراج. تكون طرية عند اللمس وتتميز بالنز (إفراز القيح أو السوائل) والتقشر. قد تحتوي على بثور أو بصيلات شعر بارزة.
2. الشعر: عادة ما يكون هناك تساقط للشعر في المنطقة المصابة.
3. الأعراض المصاحبة: قد يصاحب الشهدة تضخم في الغدد الليمفاوية الإقليمية (في الرقبة)، وحمى، وشعور عام بالتوعك.
4. التشخيص الخاطئ: نظرًا لمظهرها الالتهابي الشديد، قد يتم تشخيصها خطأً على أنها خراج بكتيري وتعالج بالمضادات الحيوية التي لن تكون فعالة.

• المضاعفات:

1. فقدان الشعر الدائم (الصلع الندبي): الالتهاب الشديد يمكن أن يدمر بصيلات الشعر ويؤدي إلى تندب وفقدان دائم للشعر في المنطقة المصابة.

• التشخيص:

1. الفحص السريري: التعرف على الآفة الالتهابية المنتفخة والمؤلمة.
2. فحص القيح أو السائل بالمجهر (KOH preparation): قد يكشف عن وجود الخيوط الفطرية، ولكن قد يكون من الصعب رؤيتها بسبب الالتهاب الشديد.
3. زراعة الفطريات: ضرورية لتحديد نوع الفطر المسبب للعدوى. قد تكون هناك حاجة لأخذ عينة من القيح أو من قاعدة البصيلات.

• التشخيص التفريقي: يجب التمييز بين الشهدة وحالات أخرى تسبب آفات التهابية في فروة الرأس مثل:

1. الخراج البكتيري (Scalp abscess): عادة ما يكون أكثر توضعًا ويحتوي على قيح سميك. قد يكون هناك تاريخ لإصابة أو جرح.
2. التهاب النسيج الخلوي (Cellulitis): التهاب أعمق في الجلد والأنسجة تحت الجلد.
3. التهاب الجريبات (Folliculitis): التهاب بصيلات الشعر، وعادة ما يكون أقل انتشارًا وأقل التهابًا من الشهدة.

• العلاج:

1. الأدوية المضادة للفطريات عن طريق الفم: هي العلاج الأساسي. قد يفضل استخدام غريزوفولفين بسبب فعاليته في علاج العديد من الفطريات الجلدية التي تسبب سعفة الرأس.
2. الكورتيكوستيرويدات عن طريق الفم: غالبًا ما تستخدم الكورتيكوستيرويدات (مثل بريدنيزون) بالإضافة إلى الأدوية المضادة للفطريات لتقليل الالتهاب الشديد ومنع حدوث تندب دائم. يجب استخدامها تحت إشراف طبي دقيق.
3. العناية الموضعية: يمكن استخدام كمادات دافئة لتخفيف الانزعاج والمساعدة في تصريف أي قيح. قد يوصي الطبيب بشامبو مضاد للفطريات كعلاج مساعد.
4. تجنب العبث بالآفة: يجب تجنب عصر أو محاولة تفريغ الشهدة لتجنب انتشار العدوى وتفاقم الالتهاب.

4. القرعة "Favus" (Favic Tinea Capitis):

• المسببات الشائعة: السبب الرئيسي هو الفطر Trichophyton schoenleinii. هذا النوع أقل شيوعًا في العديد من المناطق ولكنه لا يزال موجودًا في بعض الأجزاء من العالم.
• الخصائص السريرية:

1. المظهر: تتميز بتكوّن قشور صفراء سميكة على شكل أكواب أو صحون صغيرة تسمى "scutula". هذه القشور تكون متمركزة حول بصيلات الشعر.
2. الانتشار: إذا لم يتم علاجها، يمكن أن تنتشر القشور لتغطي فروة الرأس بأكملها، مما يشكل قشرة سميكة صفراء.
3. الرائحة: غالبًا ما يصاحب القرعة رائحة كريهة جدًا ومميزة.
4. الشعر: يصبح الشعر جافًا وهشًا ويتساقط بسهولة. مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي إلى ضمور بصيلات الشعر وتندب.
5. الانتان خارج فروة الرأس: في حالات نادرة وغير معالجة، قد ينتشر الانتتان الفطري إلى مناطق أخرى من الجسم مثل الجلد الأملس (الجسم والأطراف).

• المضاعفات:

1. حاصة لا عكوسة (Permanent cicatricial alopecia): يؤدي التندب الناتج عن العدوى المزمنة إلى فقدان دائم للشعر في المناطق المصابة.
2. تشوه فروة الرأس: قد تصبح فروة الرأس سميكة ومتندبة بشكل دائم.

• التشخيص:

1. الفحص السريري: التعرف على القشور الصفراء المميزة (scutula) والرائحة الكريهة.
2. فحص القشور والشعر بالمجهر (KOH preparation): يكشف عن وجود الخيوط الفطرية المميزة داخل وحول الشعر.
3. زراعة الفطريات: ضرورية لتأكيد التشخيص وتحديد نوع الفطر.

• التشخيص التفريقي: قد يكون التشخيص التفريقي صعبًا في المراحل المبكرة، ولكن القشور الصفراء المميزة تساعد في التشخيص. يجب التمييز بينه وبين حالات أخرى تسبب تقشر والتهاب فروة الرأس.
• العلاج:

1. الأدوية المضادة للفطريات عن طريق الفم: هي العلاج الأساسي وتكون عادة لفترة طويلة. قد يشمل العلاج غريزوفولفين أو تيربينافين أو إيتراكونازول.
2. العناية الموضعية: قد يساعد استخدام الشامبو المضاد للفطريات في تقليل الأبواغ. قد تكون هناك حاجة لإزالة القشور السميكة بلطف.
3. المتابعة: المتابعة المنتظمة ضرورية لتقييم الاستجابة للعلاج ومنع حدوث مضاعفات.

اعتبارات عامة حول سعفة الرأس:

• الفئات العمرية: سعفة الرأس أكثر شيوعًا بين الأطفال، خاصة في سن ما قبل المدرسة وسن المدرسة.
• طرق الانتشار: يمكن أن تنتشر العدوى عن طريق الاتصال المباشر مع شخص مصاب، أو حيوان مصاب (خاصة القطط والكلاب في حالة Microsporum canis)، أو عن طريق مشاركة الأدوات الشخصية الملوثة مثل الأمشاط والقبعات.
• أهمية التشخيص المبكر والعلاج: يساعد العلاج المبكر في منع انتشار العدوى للآخرين وتقليل خطر حدوث مضاعفات مثل فقدان الشعر الدائم.
• توعية الأسرة والمدرسة: من المهم توعية الأسر والمدارس حول كيفية التعرف على أعراض سعفة الرأس وطرق الوقاية منها.
• علاج جميع أفراد الأسرة والحيوانات الأليفة المصابة: لمنع إعادة العدوى، قد يكون من الضروري فحص وعلاج جميع أفراد الأسرة والحيوانات الأليفة التي قد تكون حاملة للفطريات.