سعفة الرأس: المسببات الفطرية، الآليات المرضية، والتطورات الحديثة في التشخيص والعلاج

سعفة الرأس: نظرة معمقة

سعفة الرأس (Tinea capitis) هي عدوى فطرية تصيب فروة الرأس وجذوع الشعر. تسببها مجموعة من الفطريات الجلدية (Dermatophytes)، وهي كائنات حية دقيقة تتغذى على الكيراتين، البروتين الرئيسي الموجود في الجلد والشعر والأظافر. تعتبر سعفة الرأس شائعة بشكل خاص بين الأطفال، ولكنها يمكن أن تصيب البالغين أيضًا.

المسببات:

تتعدد أنواع الفطريات الجلدية التي يمكن أن تسبب سعفة الرأس، وأكثرها شيوعًا تشمل:
  • أنواع Trichophyton: مثل Trichophyton tonsurans (الأكثر شيوعًا في العديد من المناطق)، Trichophyton mentagrophytes (غالبًا ما تنتقل من الحيوانات)، و Trichophyton schoenleinii (المسبب الرئيسي للقرعة "Favus").
  • أنواع Microsporum: مثل Microsporum canis (غالبًا ما تنتقل من القطط والكلاب)، و Microsporum gypseum (توجد في التربة).

يمكن أن ينتقل الفطر المسبب لسعفة الرأس بعدة طرق:
  • من إنسان إلى إنسان: عن طريق الاتصال المباشر بشخص مصاب.
  • من حيوان إلى إنسان: عن طريق لمس حيوان مصاب (خاصة القطط والكلاب المصابة بفطريات Microsporum canis).
  • من البيئة إلى إنسان: عن طريق ملامسة الأسطح أو الأشياء الملوثة بالفطريات، مثل الأمشاط، والقبعات، وأغطية الأسرة.

الأعراض والعلامات السريرية:

تختلف أعراض سعفة الرأس بشكل كبير بناءً على نوع الفطر المسبب، واستجابة الجهاز المناعي للمضيف، وموقع الإصابة. كما ذكرنا سابقًا، يمكن تصنيف سعفة الرأس إلى عدة أنماط سريرية رئيسية:
  • النوع الجاف (Non-inflammatory Tinea Capitis):
  1. يتميز ببقع متقشرة وجافة على فروة الرأس تشبه قشرة الرأس.
  2. قد يكون هناك تساقط جزئي للشعر في المناطق المصابة، حيث يبدو الشعر قصيرًا ومكسورًا.
  3. عادة ما يكون الالتهاب خفيفًا أو غير موجود، وقد تكون الحكة خفيفة.
  4. قد يصعب تمييزه عن حالات جلدية أخرى مثل قشرة الرأس أو الصدف.
  • النوع "Blackdot" (Black Dot Tinea Capitis):
  1. غالبًا ما تكون الآفة جافة مع تساقط واضح للشعر.
  2. السِمة المميزة هي ظهور نقاط سوداء صغيرة على سطح فروة الرأس، تمثل جذور الشعر المكسور داخل بصيلات الشعر.
  3. قد يكون هناك احمرار وتقشر وحكة بدرجات متفاوتة.
  4. يعتبر Trichophyton tonsurans سببًا شائعًا لهذا النوع.
  • النوع المسمى الشهدة "Kerion" (Inflammatory Tinea Capitis):
  1. يمثل استجابة التهابية شديدة للعدوى الفطرية.
  2. تظهر الآفات على شكل تورم مؤلم ومنتفخ في فروة الرأس، مع نز (إفراز سوائل أو قيح) وتقشر.
  3. قد يصاحبه تضخم في الغدد الليمفاوية الإقليمية وحمى في بعض الحالات.
  4. يزيد خطر حدوث فقدان دائم للشعر (صلع ندبي) بسبب الالتهاب الشديد.
  5. قد يتم تشخيصه خطأً على أنه خراج بكتيري.
  • القرعة "Favus" (Favic Tinea Capitis):
  1. يتميز بتكوّن قشور صفراء سميكة وصلبة على شكل أكواب أو صحون صغيرة (scutula) حول بصيلات الشعر.
  2. قد تنتشر لتغطي فروة الرأس بأكملها وتسبب رائحة كريهة جدًا.
  3. يؤدي إلى جفاف وهشاشة الشعر وتساقطه، وقد ينتهي بفقدان دائم للشعر وتندب في فروة الرأس.
  4. قد ينتشر الانتتان إلى مناطق أخرى من الجسم في حالات نادرة وغير معالجة.
  5. يعتبر Trichophyton schoenleinii المسبب الرئيسي.

التشخيص:

يعتمد تشخيص سعفة الرأس على عدة عوامل:
  • الفحص السريري: يقوم الطبيب بفحص فروة الرأس والشعر للبحث عن العلامات والأعراض المميزة لكل نمط.
  • فحص الشعر والقشور بالمجهر (KOH preparation): يتم كشط عينة صغيرة من القشور أو الشعر المصاب ووضعها على شريحة زجاجية مع محلول هيدروكسيد البوتاسيوم (KOH). يساعد KOH على إذابة خلايا الجلد غير الفطرية، مما يجعل الخيوط الفطرية والأبواغ أكثر وضوحًا تحت المجهر.
  • زراعة الفطريات: تعتبر الطريقة الأكثر دقة لتحديد نوع الفطر المسبب للعدوى. يتم أخذ عينة من الشعر أو القشور وزراعتها على وسط غذائي خاص لنمو الفطريات. يمكن أن تستغرق نتائج الزراعة عدة أسابيع.
  • مصباح وود (Wood's lamp): هو جهاز يصدر ضوءًا فوق بنفسجيًا. بعض أنواع الفطريات (Microsporum) تتوهج بلون أخضر مصفر مميز تحت هذا الضوء، مما يساعد في التشخيص الأولي. ومع ذلك، فإن العديد من الفطريات الشائعة المسببة لسعفة الرأس (Trichophyton tonsurans) لا تتوهج تحت مصباح وود.
  • الخزعة الجلدية: في حالات نادرة أو غير نمطية، قد يلجأ الطبيب إلى أخذ خزعة صغيرة من فروة الرأس لفحصها تحت المجهر.

العلاج:

يعتمد علاج سعفة الرأس بشكل أساسي على الأدوية المضادة للفطريات التي تؤخذ عن طريق الفم. العلاجات الموضعية وحدها (مثل الكريمات والمراهم المضادة للفطريات) غالبًا ما تكون غير فعالة في علاج سعفة الرأس لأنها لا تخترق جذور الشعر المصابة.
  • الأدوية المضادة للفطريات عن طريق الفم:
  1. غريزوفولفين (Griseofulvin): يعتبر دواءً فعالًا تقليديًا لعلاج سعفة الرأس، خاصة عند الأطفال. غالبًا ما يكون العلاج به لفترة طويلة (عدة أسابيع إلى أشهر).
  2. تيربينافين (Terbinafine): فعال ضد العديد من الفطريات الجلدية وقد يكون له مدة علاج أقصر في بعض الحالات، ولكنه قد لا يكون فعالًا ضد بعض أنواع Microsporum.
  3. إيتراكونازول (Itraconazole): يستخدم لعلاج مجموعة واسعة من الالتهابات الفطرية، بما في ذلك سعفة الرأس.
  4. فلوكونازول (Fluconazole): خيار آخر فعال يمكن استخدامه في بعض الحالات.
تعتمد مدة العلاج والجرعة على نوع الفطر، شدة العدوى، وعمر ووزن المريض. من المهم إكمال دورة العلاج الموصوفة بالكامل حتى لو تحسنت الأعراض.
  • الشامبو المضاد للفطريات: يمكن استخدام شامبو يحتوي على الكيتوكونازول (Ketoconazole) أو سيلينيوم سلفايد (Selenium sulfide) كعلاج مساعد لتقليل عدد الأبواغ الفطرية على فروة الرأس وبالتالي تقليل خطر انتشار العدوى للآخرين. يجب استخدامه بانتظام حسب توجيهات الطبيب.
  • العلاجات الإضافية للشهدة (Kerion): قد يصف الطبيب كورتيكوستيرويدات عن طريق الفم (مثل بريدنيزون) بالإضافة إلى الأدوية المضادة للفطريات لتقليل الالتهاب الشديد ومنع حدوث تندب وفقدان دائم للشعر. يجب استخدام الكورتيكوستيرويدات بحذر وتحت إشراف طبي دقيق.

الوقاية:

يمكن اتخاذ بعض الإجراءات للمساعدة في منع انتشار سعفة الرأس:
  • النظافة الشخصية الجيدة: غسل الشعر بانتظام وتجنب مشاركة الأمشاط، والفُرش، والقبعات، والمناشف مع الآخرين.
  • فحص الحيوانات الأليفة: فحص الحيوانات الأليفة (خاصة القطط والكلاب) بانتظام بحثًا عن علامات العدوى الفطرية (مثل بقع تساقط الشعر أو الجلد المتقشر) وعلاجها إذا لزم الأمر.
  • تجنب الاتصال بالأشخاص المصابين: تجنب الاتصال المباشر بفروة رأس شخص مصاب بسعفة الرأس.
  • التوعية: تثقيف الأطفال حول أهمية عدم مشاركة الأدوات الشخصية.

المضاعفات:

في معظم الحالات، يمكن علاج سعفة الرأس بنجاح. ومع ذلك، قد تحدث بعض المضاعفات إذا لم يتم العلاج أو إذا كان العلاج غير فعال:
  • فقدان الشعر الدائم (الصلع الندبي): يحدث بشكل خاص في حالات الشهدة والقرعة بسبب الالتهاب والتندب الذي يدمر بصيلات الشعر.
  • التهابات ثانوية: قد تصاب المناطق المصابة بالبكتيريا.
  • الانتشار إلى أجزاء أخرى من الجسم: في حالات نادرة جدًا، يمكن أن ينتشر الفطر إلى مناطق أخرى من الجلد.
  • التأثير النفسي والاجتماعي: يمكن أن يكون لتساقط الشعر والقشور تأثير كبير على ثقة الشخص بنفسه وصورته الذاتية، خاصة عند الأطفال.

الخلاصة:

سعفة الرأس هي عدوى فطرية شائعة في فروة الرأس تتخذ أشكالًا سريرية متنوعة. التشخيص الدقيق والعلاج المناسب بالأدوية المضادة للفطريات عن طريق الفم ضروريان للشفاء ومنع المضاعفات. النظافة الشخصية الجيدة والوعي بطرق الانتشار يمكن أن يساعد في الحد من انتشار العدوى. إذا كنت تشك في إصابتك أو إصابة طفلك بسعفة الرأس، فمن المهم استشارة الطبيب للحصول على التشخيص والعلاج الصحيحين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال