يختلف دم الحيض والنفاس عن الدم الطبيعي من عدة وجوه أبرزها:
1- يخرج دم الحيض والنفاس من الأنثى من مخرج معتاد، بينما يتم إخراج الدم المسحوب عن طريق إبرة خاصة ومن الأوردة أو الشرايين وبضوابط وشروط خاصة.
2- دم الحيض لونه أسود محتدم، ويخرج على شكل قطع، وله رائحة كريهة؛ لأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة، بينما ليس كذلك الدم المسحوب.
3- في خروج دم الحيض منفعة للجسم، أما الدم الطبيعي ففي خروجه مضرة بالجسم، إذا لم يتم وفق ضوابط طبية معينة.
4- خروج دم الحيض يتبعه مجموعة من الأحكام الفقهية، منها؛ انتقاض الوضوء، وسقوط الصلاة والصيام عن الحائض، وحرمة الجماع...، بينما خروج الدم الطبيعي لا تترتب عليه هذه الأحكام، حتى لو خرج من المخرج المعتاد.
يتبين مما سبق أن الدم المسحوب من جسم الإنسان عبر المضخة - مع مراعاة الشروط والضوابط الطبية الدقيقة - يبقى محافظا على خواصه؛ لأنه لم يتعرض للهواء، وهو بذلك كأنه ينتقل من مكان إلى آخر في جسم الإنسان، وهو يختلف بذلك عن الدم المسفوح الذي يتحول إلى مسرح للميكروبات والجراثيم التي تسبب الأمراض والعدوى، كما أنه يختلف أيضا عن الدماء التي يدفعها جسم الأنثى على أنها فضلات.
لكل هذه الاعتبارات فإني أرى أن الدم البشري الذي لم يخرج من مخرج معتاد، ولم يتعرض للهواء طاهر، بخلاف الدم الذي ينزف من الجروح (الدم المسفوح)، ومن ثم فإن الأدلة التي استدل بها الفريق الأول إنما هي في الدم المسفوح، فيكون الاستدلال بها خارج محل النزاع، إضافة إلى أنها لم تسلم من المناقشات والتوجيه والطعن.
كما أن اختلاف الأشياء عن بعضها يوجب اختلافها في الأحكام؛ فإذا كان الدم المسحوب يختلف عن كل من الدم المسفوح، ودم الحيض والنفاس فإنه ينبغي أن يختلفا في الحكم.
يؤيد هذا ما ورد عن أمنا عائشة رضي الله عنها، وغيرها بيانا للآية القرآنية ﴿إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا﴾ (الأنعام: ١٤٥)، قالوا: (فلم ينه عن كل دم، بل عن المسفوح خاصة وهو السائل).
(كما أنه ينبغي الأخذ بما أكدته الحقائق العلمية، وما أثبته أهل الخبرة والمعرفة بأمور الطب عملا بقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: ٤٣)، فقد خضع الدم البشري لعدة أبحاث ودراسات علمية أثبتت كلها فوائد كثيرة للدم في مجال الدواء والعلاج، وميزت بينه وبين غيره من الدماء الأخرى بصورة ملموسة، وأكدت أن المصلحة الراجحة والحاجة الماسة تدعوان إلى الاستعانة به عند حدوث النزف الشديد وحلول الأخطار).
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن نجاسة الدم ثابتة سواء كان مسفوحا أو غير مسفوح إذا خرج من الجسد وتعرض للهواء وهو الأصل، وإنما رجحنا طهارة الدم المسحوب عبر المحقنة؛ لأنه نقل إلى وسط شبيه بالوسط الذي كان فيه، وهذا لا يلزم منه الحكم بإباحة تناول الدم أكلا وشربا، فإن ذلك لا يحل مطلقا، والله تعالى أعلم.
التسميات
دم