تخريج نقل الدم على أنه بيع.. لا يجوز بيعه وأخذ العوض عنه

الذي جعلنا نذكر هذا التخريج أن بعض الناس يبذلون دماءهم لمن يحتاجها -خاصة إذا كانت فصائل دمهم من النوع العزيز- مقابل مبلغ من المال أو منفعة معينة يشترطونها، ولبيان ذلك نقول:
البيع شرعاً: مبادلة مال بمال تمليكاً وتملكاً ([1]).
فعقد البيع فيه طرفان وله محل، فالطرفان هما البائع والمشتري والمحل هو السلعة وثمنها فالبائع يبذل السلعة مقابل مبلغ من المال يدفعه المشتري ليحصل عليها، ومن الشروط الواجب توافرها في المبيع أن يكون مالا متقوما ليصح عقد البيع، فإذا انعدمت المالية والتقوم لم يصح البيع.
في عملية بيع الدم المبيع هو الدم، والدم لا تتوافر فيه شروط المبيع – المالية والتقوم – فلا يصح بيعه ولا يصح أخذ الثمن عوضا عنه ([2])، قال صاحب البدائع: (وَأَمَّا عَظْمُ الْآدَمِيِّ وَشَعْرُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا لِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ في الصَّحِيحِ من الرِّوَايَةِ لَكِنْ احْتِرَامًا له وَالِابْتِذَالُ بِالْبَيْعِ يُشْعِرُ بِالْإِهَانَةِ) ([3]). 
وقد دل على هذا أدلة من الكتاب والسنة؛ منها:
1- قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (البقرة: ١٧٣)، وقوله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (النحل: ١١٥).
وجه الدلالة أن الدم من المحرمات المنصوص عليها في الآيات، فلا يجوز بيعه وأخذ العوض عنه.
2- قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: ٧٠)، بيع جزء من الآدمي يتنافى مع تكريمه، ويفتح باب الاعتداء عليه، فمن تكريمه عدم بيعه، ودمه جزء منه تابع للأصل ([4]).
3- قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه" ([5]) وجه الدلالة أن الدم حرام بنص الآية، وإذا كان كذلك حرم بيعه وأخذ العوض عنه.
4- ما ثبت في الصحيح أن رَسُولَ اللَّهِ (ص) نهى عن ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ ([6]).
ثبت إذن أن بيع الدم حرام، وهذا ما أكده مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة ([7]).
هذا إذا كان المأخوذ عوضا عن الدم، وكان الذي يأخذه صاحب الدم نفسه، أما إذا كان العوض المأخوذ مقابلا لنفقات الذهاب والإياب وبدلا لتعطل عن عمل ما، أو كان الذي يأخذ العوض بنك الدم وكان هذا العوض مقابل نفقات فعلية يستلزمها حفظ الدم؛ كالأجهزة ونفقات التبريد، وأجور موظفين، والمواد الضرورية لحفظ الدم فلا بأس بذلك، والله تعالى أعلم ([8]).

([1]) القونوي، قاسم بن عبدالله، أنيس الفقهاء، تحقيق: د.احمد الكبيسي، دار الوفاء، جدة، ط1، 1406هـ، ج1، ص201، ابن قدامة، المغني، ج4، ص3، الكاساني، بدائع الصنائع، ج5، ص305.
([2]) السكري، نقل وزراعة الأعضاء الآدمية، ص178، الفجال، أحكام التصرف في الدم البشري، ذهب بعض المعاصرين إلى القول بجواز بيع الدم – ومنهم الشيخ محمد صافي، وليلى أبو العلا، ورجحه الدكتور النتشة -، مستدلين بأن جواز البيع يتبع حل الانتفاع، وقياسا على جواز بيع لبن الآدمية. النتشة، المسائل الطبية المستجدة، ص385.
([3]) الكاساني، بدائع الصنائع ج5، ص142.
([4]) عبد السميع، نقل وزراعة الأعضاء البشرية، ص50.
([5]) أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الإجارة، باب ثمن الخمر والميتة، ج3، ص280، حديث رقم3488، وجاء في صحيح البخاري ومسلم ما نصه، "قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" البخاري، الجامع الصحيح، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، ج2، ص779، حديث رقم 2121، مسلم، الجامع الصحيح، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، ج3، ص1207، حديث رقم1581.
([6]) البخاري، الجامع الصحيح، كتاب البيوع، باب ثمن الكلب، ج2، ص780، حديث رقم 2123.
([7]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع، جدة، 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م.
([8]) فتوى المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الحادية عشرة، مكة المكرمة، 13 رجب 1409هـ، سطحي، نقل وزرع الأعضاء البشرية، ص44، عبد السميع، نقل وزراعة الأعضاء البشرية، ص47.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال