قاعدة (الضرر يزال):
وتستند هذه القاعدة إلى الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن (لا ضرر ولا ضرار)([1]). وتعني هذه القاعدة أن لكل فرد مطلق الحرية في أن يتصرف فيما يملك إذا انعدم الضرر، فإذا حدث ضرر للغير فلولي الأمر الحق في التدخل واتخاذ كل ما من شأنه أن يحول دون وقوع الضرر الذي قد يلحق ببعض مكونات البيئة أو التخفيف منه أو حتى إزالة مصدر هذا الضرر، لسد الذرائع المؤدية إلى الفساد. وعلى سبيل المثال، من غير الجائز لأحد أن يفسد على الجماعة حقها في الانتفاع بأحد مواردها. كما أنه ليس من حق أحد أن يسيء استخدام ممتلكاته بحيث يلحق الضرر بالآخرين. "فإذا وضع رجل في بيته آلة تصدر اهتزازات تؤثر في سلامة حائط الجار، كان للقاضي أن يحكم بإزالة هذه الآلة، وكان على السلطة التنفيذية تحقيق ذلك"([2]). وما ينطبق على الفرد ينطبق على الدول أيضا، فليس من حق دولة أن تتصرف في مياهها الإقليمية بالشكل الذي يلحق أضرارا بيئية بجاراتها أو بدول أخرى يمكن أن ينتقل إليها التلوث البحري الذي يتصف بأنه لا يعترف بالحدود الجغرافية. ويمتد دفع الضر ليشمل الطير والحيوان. فعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها). ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: (من حرق هذه؟) قلنا: نحن. قال: (إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)([3]).
([1]) سنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، كتاب الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضرّ بجاره، الحديث رقم 2340، الجزء الثاني، صفحة 748. وانظر أيضا: موطأ مالك، مالك بن أنس أبو عبد الله الأصبحي، كتاب الأقضية، باب القضاء في أمهات الأولاد، الحديث رقم 1429، دار إحياء التراث العربي، القاهرة، الجزء الثاني، صفحة 745. وجاء في مجمع الزوائد: "عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن إسحاق وهو ثقة ولكنه مدلس. وعن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار) رواه الطبراني في الأوسط، وسمر بن أحمد بن رشدين، وهو ابن محمد بن الحجاج بن رشدين، وقال ابن عدي: كذبوه". انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، باب لا ضرر ولا ضرار، الجزء الرابع، صفحة 110.
([2]) عمارة الأرض في الإسلام، جميل أكبر، دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن، صفحة 201.
([3]) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب: في كراهية حرق العدو بالنار، الحديث رقم 2675، صفحة 405. وجاء في (عون المعبود): "قال المنذري: ذكر البخاري وعبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي أن عبدالرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه، وصحح الترمذي حديث عبدالرحمن عن أبيه في جامعه. (حمرة): طائر صغير كالعصفور. (فرخان): تثنية الفرخ. والفرخ ولد الطائر. (تفرش): بفتح التاء وضم الراء من فرش الطائر إذا فرش جناحيه، وبفتحها وتشديد الراء أي تفرش فحذف إحدى التائين أي ترفرفت بجناحيها وتقربت من الأرض انتهى. (فجَّع): أوجعه... (قرية نمل): أي موضع نمل". انظر: عون المعبود في شرح سنن أبي داود، العظيم آبادي، الجزء السابع، صفحة 220.
التسميات
طب ودين