الهموم والضغوط النفسية.. علاج الهموم يكمن في الرضا بما قدّر الله والصبر على الابتلاء واحتساب ذلك عند الله تعالى

الهموم والضغوط النفسية Stress
الحياة مليئة بالضغوط النفسية.

وما من أحد إلا ويتعرض لنوع من أنواع هذه الضغوط.
والضغط النفسي ليس سيئاً بحد ذاته، ولكن الطريقة التي نواجه بها تلك الضغوط قد لا تكون حسنة.

وتختلف استجابة الناس للشدائد والضغوط النفسية، فمنهم من يتكيف ويسيطر على الوضع الذي هو فيه، ويكون جاهزا للمجابهة والمواجهة.

ومنهم من يبقى ماقتاً للشيء ومبغضاً للحال الذي هو فيه Aversive ويبقى حذرا مدة طويلة.
ومنهم من يذعن للأمر الجديد ويخضع له submissive.

والذين يواجهون ضغوطا نفسية شديدة يشكون عادة من صداع في القسم العلوي من الرأس، ومن آلام عضلية في الرقبة والظهر، ولا ينامون نوما هنيئا، وقد يشكو البعض منهم من الخفقان أو الإسهال أو الإمساك.

يقول علماء النفس: إن كثيرا من الهموم والضغوط النفسية سببه عدم الرضا، فقد لا نحصل على ما نريد، وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد لا يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله، فالصورة التي كنا نتخيلها قبل الإنجاز كانت أبهى من الواقع.

وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من زوال النعم.
ومن هنا كان الدعاء المأثور "اللهم عرفنا نعمك بدوامها لا بزوالها".

والهموم تفتك بالجسم وتهرمه، وقد قرأنا كيف أن بكاء يعقوب على ابنه أفقده بصره، وكيف أن الغم بلغ مداه بالسيدة عائشة عندما تطاول عليها الأفاكون - فظلت تبكي حتى قالت: "ظننت أن الحزن فالق كبدي" وترى المهموم حزينا مكتئبا.

ولكن من الناس من يستطيع كتمان همومه، ويبدي لله نفسا راضية.
ولربما ضحك المهموم وأخفى همومه، وفي أحشائه النيران تضطرم.

واجه الضغوط النفسية بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سمع النبي عليه الصلاة والسلام رجلا يقول: اللهم إني أسألك الصبر.
فقال: "سألتَ الله البلاء فسله العافية" رواه الترمذي.

ولا شك أن علاج الهموم يكمن في الرضا بما قدّر الله، والصبر على الابتلاء واحتساب ذلك عند الله، فإن الفرج لا بد آت.
والساخطون والشاكون لا يذوقون للسرور طعما.

فحياتهم كلها سواد دامس، وليل حالك.
أما الرضا فهو نعمة روحية عظيمة لا يصل إليها إلا من قوي بالله إيمانه، وحسن به اتصاله.

والمؤمن راض عن نفسه، وراض عن ربه لأنه آمن بكماله وجماله، وأيقن بعدله ورحمته.
ويعلم أن ما أصابته من مصيبة فبإذن الله.

وحسبه أن يتلو قول الله تعالى: {وما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} التغابن 41.

والمؤمن يؤمن تمام اليقين أن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه، فيناجي ربه "بيدك الخير إنك على كل شيء قدير" آل عمران 26.

وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" رواه أحمد.

ومهما كسبت من مال وجاه، أو سعدت بترف، أو استمعت إلى موسيقى فإنك أكثر راحة و طمأنينة عندما تلجأ إلى ربك أو تخشع ساجداً بين يديه، أو تصغي إلى تلاوة آياته..! وهذه الحقيقة لم تعد أمراً نظرياً نقول به نحن المسلمون.! ولكن أثبت ذلك عدد من العلماء والأطباء ومراكز البحث في الغرب.. بل وفي أمريكا مركز التقدم العلمي والطبي على وجه الخصوص..!

ففي دراسة أجريت بجامعة تكساس على أربعة آلاف شخص وجد الباحثون أن الذين يجدون من يدعو لهم تتحسن حالتهم الصحية بنسبة 11 %، وعلى ضوء هذه النتائج قررت كلية الطب الأمريكية إدخال مادة جديدة تتعلق بالروحانيات لتقوية ارتباط المرضى بالله لإعانتهم على الشفاء.

والركون إلى جانب الله هو الذي يخفف من فواجع القلوب  التي تخلف وراءها الأسقام والأدواء..!
أجل إنه "البلسم" الذي يسبق العلاج المادي ويحفز على نجاعته.

وليس هناك "راحة" تريح القلب والروح والجسد مثل تلك "الراحة" العظيمة التي عبر عنها الشاعر عمر بهاء الدين الأميري – رحمه الله – عندما قال في بيت شعري مؤثر من قصيدة جميلة أبدعها بعد صلاته في الحرم:
إتئد يا إمام لا ترفع الرأس -- ما ملّ قلبي من السجود لربي

ولا يدرك مثل هذه "الراحة" إلا من خاف مقام ربه ليحصد سنابل الأمان في دار الخلود، (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
جعلنا الله من أصحاب تلك الحظوظ الهنَّية، والقلوب المطمئنة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال