تعريف مرض السرطان وتمييزه عن غيره من الأمراض المشابهة في الطب العربي

ماذا يعني مرض السرطان وكيف يفرق عن غيره من الأمراض المشابهة في الطب العربي؟

أطلق الأطباء العرب والمسلمون كلمة السرطان على الأورام التي يصحبها ألم وحس وسرعة ازدياد وتشبث بالأنسجة المجاورة يقول الرازي عنه: السرطان ورم مستدير في أكثر الأمر لازم الأصل فهو في العضو أكثر منه خارج، له أصل كبير وعروق ممتدة منها خضر وفي مجسته حرارة على الأمر الأكثر وله ضربان ما، وربما كان أشد ويكون صغيراً ثم يكبر قليلاً قليلاً، ويعرض في الأكثر في الأعضاء العصبية، وإن تقرح أو بط انقلبت وغلظت شفاهه واحمر وصار وحشاً ولم يبرأ إلاّ باستئصاله وسل عروقه.

ويقول الزهراوي في المقالة الأولى من التصريف.
السرطان إنما سمي سرطاناً لشبهه بالسرطان البحري، وهو على ضربين مبتدئ من ذاته أو ناشئ عقب أورام حارة... وهو إذا تكامل فلا علاج له ولا برء منه بدواء البتة إلاّ بعمل اليد (بالجراحة أو الكي) إذا كان في عضو يمكن استئصاله فيه كله بالقطع...

والسرطان يبتدئ مثل الباقلاء ثم يتزيد مع الأيام حتى يعظم وتشتد صلابته ويصير له في الجسد أصل كبير مستدير كمد اللون تضرب فيه عروق خضر وسود إلى كل جهة منه وتكون فيه حرارة يسيرة عند اللمس.

ويقول مهذب الدين بن هبل عن السرطان:
هذا هو الداء العياء لكن قيل إذا لحق في أوله أمكن له أن يوقف فلا يزيد لكني لم أره في إنسان إلاّ وقتله.

وهو ورم صلب له أصول ناشبه فيه خشونة وتمدد في جوانبه وعروق خضر ويتزايد ويعظم مع ألم مبرح وربما ابتدأ وكان كالحمصة ثم صار كالبطيخة وأعظم ويبتدئ مع ألم شديد لا يؤثر في تسكينه طلاء وملمسه حار فيكون في أول الأمر بلون البدن ثم يكمد وقد لا يألم ألماً شديداً وهذا يقبل العلاج حتى يقف ولا يزيد.

ويتكلم القربلياني عن السرطان مقسماً إياه إلى نوعين فيقول:
السرطان غير المتقرح: هذا الورم إما أن يكون تولده عن الأورام الحارة إذا تحجرت ، وإما أن يكون مبتدئاً يحدث عن دردرى الدم وغليظه وهو الخلط.

وهذا الورم إنما سمي سرطاناً لشبهه بالسرطان البحري.
وعلامته إنه يبتدئ مثل الحمصة ثم يتزيد بطول الأيام حتى يصير له عظم وصلابة شديدة، ويصير له في الجسد أصل كبير مستدير، لونه كمد وعليه عروق خضر أو سود إلى كل جهة منه ، ويولد عند اللمس حرارة يسيرة...

السرطان المتقرح: هذا الورم إما يتقرح من ذاته وإما يتقرح بالعلاج، يفعل ذلك الطبيب الجاهل وعلامة المتقرح أنه قرحة قبيحة المنظر، وغليظة الحواشي، منقلبة إلى خارج مائلة إلى السواد، تسيل منها رطوبة مائية وصديد منتن وكلما عولج منها زاد رداءة ولم يؤثر فيه البتة.

وقد رأيت هذا الورم تقرح لأناس وكان آخرهم الموت.
وأنت – يا بني – لا تقرب هذه الأورام الصلبة مثل السرطان المتقرح وغير المتقرح.

هذه الأقوال غيض من فيض ولا مجال لذكر أقوالهم جميعاً فقد لقي موضوع السرطان اهتماماً خاصاً من لدن الأطباء العرب والمسلمين قاطبة ولم يكتفوا بذكر وصفه وكيفية تكوينه وإنما حاولوا جاهدين تفريقه عن أمراض أخرى قد تشبهه في بعض الأعراض أيضاً من ذلك نجد للرازي في كتابه ما الفارق وفي باب ما الفرق بين السرطان وبين الورم الصلب قولاً جميلاً حيث يقول: أما الجمع بينهما ففي الحقيقة والسبب، وهو المادة السوداوية، وبالعرض يفترقان وهو الدليل وذلك أن السرطان في ابتدائه يكون صغيراً ثم يزيد وينتقل من مكان وحوله كالعرق الشبيهة بأرجل السرطان.

ويكون معه وجع شديد ونخس وحرقة، وتنفر من الأدوية نفوراً عظيماً، وربما انفجر وسال منه دم كالدردي، وربما أفسد ذلك الدم ما حوله.

ويشتد معه النخس ولا كذلك الورم الصلب، فإنه لا يكون ابتداء إنما يكون بعقب الأورام الحارة الدموية والباردة والبلغمية ، ويعدم معه الحس أو يضعف وملمسه يكون صلباً ولا وجع معه البتة.

ويؤكد نفس المعنى في كتابه الحاوي فيقول:
لي – إن الورم الصلب، يشبه السرطان، وهو جنسان – أحدهما لا حس له، والآخر بحس، فالفرق بينهما وبين السرطان، فإن الورم الصلب أكثر ذلك يتبع الورم الحار ولا يكاد يحدث ابتداء ويتبع الورم البلغمي أو نحو ذلك، فيكون أبداً تابعاً لشيء، والسرطان يحدث ابتداء، وإن تلك الأورام حواليها عروق ممتدة وإنها كلها أقل حرارة عند الجس من السرطان، فأما الذي لا يحس فلا أجود من هذه لأن السرطان يحس وخاصة إن كان أسخن.

ويفرق ابن سينا بين السرطان وبين الورم الصلب (سقيروس) بقوله: ويفارق سقيروس بأنه مع وجع وضربان ، وسرعة ازدياد لكثرة المادة وانتفاخ لما يعرض في تلك المادة.

إلى أن يقول: ويسمى سرطاناً لأحد أمرين أعني إما لتشبثه بالعضو كتشبث السرطان بما يصيده وإما لصورته في استدارته في الأكثر مع لونه وخروج عروق كالأرجل حوله منه.

ولابن القف قول في السرطان قريب مما ذكرنا سابقاً حيث يقول: هو ورم متقرح له أرجل شبيه بأرجل السرطان.
وذلك لامتلاء العروق المتصلة بمحمل الورم... والفرق بينه وبين الصلابة من وجوه أربعة وهي:
- إن السرطان ورم تتصل به عروق ممتلئة من مادة سوداوية، أما الصلابة فليس لها ذلك.
- ثانيها أن الصلابة هادئة وساكنة.
- وثالثها أن السرطان متقرح أما الصلابة غير متقرحة.
- وأكثر حدوث السرطان في النساء.

ويفرق مهذب الدين ابن هبل بين سرطان الأنف وبواسيره (Polip) بكلام يدل على دقة الملاحظة فيقول: والسرطان يبتدئ صغيراً كالحمصة صلباً ويتزايد وهو ناشف والبواسير لحمها رخو ولها صديد وربما تدلت وطالت، والسرطان يصلب من الحنك ما يحاذي موضعه وليس كذلك البواسير والسرطان في الأنف لا يتعرض لعلاجه فإنه يزداد بالعلاج  شراً إن تقرح.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال