كيـف يبدأ السرطان وكيـف ينتشر؟
السرطان هذا الداء العضال المرعب لكل البشر والذي يخرب الجسم ويدمر خلاياه من داخله ذاته كان ولا يزال لغزاً بالنسبة للأطباء والعلماء.
وفيما يلي سوف نحاول عقد مقارنة بسيطة بين ما يطرحه العلماء اليوم من التفسيرات لآلية انقسام الخلايا السرطانية وتكاثرها اللانهائي وبين ما جاء من أقوال علمائنا وأطبائنا العرب والمسلمين قبل مئات السنين.
رأي العلم الحديث في ذلك هو:
إن آخر ما توصلت إليه العبقرية البشرية اليوم في هذا الموضوع وبإيجاز شديد هو: أن السرطان ينمو عندما يحدث شيء ما غير معروف إلى الآن للعلماء لبعض الجينات الطبيعية Normal Genes في خلايا أجسامنا فتتحول إلى جينات مسببة للسرطان Cancer – Causing genes وقد أطلق العلماء على هذه الجينات اسم الأونكوجينات Oncagenes أو الجينات المتحولة أو الجينات المكونة للسرطان.
والجينات الطبيعية التي تمتلك قوة الفعل والتأثير دعيت بالأونكوجينات البدنية Prata– Oncagenes فما الذي يحول هذه الجينات الطبيعية في خلايانا فيقلبها من الصورة الهادئة الساكنة إلى الصورة المفزعة الرهيبة، حيث تنقسم وتتكاثر بوحشية وتنبث وتنشر السرطان في كل الجسم؟
يجيب البروفيسور وينـبـرغ على ذلك فيقول بأن هذه الجينات السرطانية ليست جزءً من التراث الوراثي العادي للإنسان بل إنها جينات حصل فيها تغيير أحيائي نتيجة لإصابتها بعوامل مسببة للسرطان كأن يكون فيروس مثلاً أو مادة كيميائية أو شعاع وتبقى الحقيقة مجهولة ولا يعلم كنهها حتى الآن سوى الله جل جلاله خالق السرطان ومكونه.
أما كـيف ينتشر وينبث؟
الانبثاث Metastasis هي العملية التي يتم فيها انسلال الخلايا السرطانية الخبيثة من كل مكان توضعها في الجسم إلى جدول الدم الجاري في كل أنحاء الجسم أو في قنوات الليمف Lymph.
وتنبث هذه الخلايا السرطانية في كل أنحاء الجسم وفي كل مكان يصل إليه الدم، ويحدث انبثاث الخلايا هذا قبل أن يشعر مرضى السرطان بسرطاناتهم، وقبل أن يشخص في أكثر من نصف حالات كل أنواع السرطان تقريباً، ولأن انبثاث الخلايا هذا يكون بدايات نشوء الأورام السرطانية التي تكون صغيرة الأحجام ودقيقة جداً ومخفية بعيداً عن الكشف وعن توضع السرطان الأساسي للشخص، فإن هذا يؤخر العلاج والشفاء.
ويستمر الانبثاث السرطاني متوغلاً ومنتشراً في أنحاء شتى من الجسم ليهلك أعضاءه ومراكزه الحيوية الأخرى السليمة إلى أن يهلك المريض تماماً.
رأي الأطبـاء العـرب والمسـلميـن فـي ذلك:
يمكن تلمس ذلك من النصوص التالية:
يقول الرازي: من جوامع الغلظ عن الطبيعة السرطان يحدث عن الدم السوداوي ولذلك يكون لون دمه أسود ولمسه ليس بحار، والأوعية التي فيه أشد امتلاءً منها في الورم الحار، وكذلك نرى عروقه كمدة سود أو مجسته حارة (فإن كان حاراً) متقرحاً فهذا عند ذلك رديء، ومتى لم يتقرح فردائته أقل.
ويروى عن أغلوقس (الفيلسوف اليوناني) قوله عن كيفية تكون السرطان:
قال: وهذه تكون من فضول سوداوية ، وتتولد هذه الفضول إذا كانت الكبد مستعدة لتوليدها وهي الأكباد الحارة، والأغذية مما يتولد عنها الدم الغليظ العكر، والطحال بحال من الضعف يعجز عن جذبه من الكبد، فإنه إذا اجتمعت هذه الأحوال غلظ الدم وتكدر وعند ذلك ربما دفعتها العروق... أو اندفع إلى عضو ورسخ فيه فكان منه السرطان.
ورأيت العروق التي في ذلك العضو ممتلئة من الدم الكمد الغليظ، وكلما كان الدم أغلظ وأشد سواداً فالعلة أردئ،وجملة شكل هذا الورم كثيراً كشكل السرطان.
ويقول المجوسي عن السرطان: هذا المرض يتولد من المرة السوداء. وهو إذا استحكم لم يمكن فيه العلاج ولا يكاد يبرأ.
ويقول ابن سينا عن آلية تكوينه:
السرطان ورم سوداوي تولده من السوداء الاحتراقية عن مادة فيها مادة صفراوية احترق عنها.
وفي بعض كتاباتهم نجد إشارات لتأثير بعض الأغذية كعوامل مساعدة لتكون السرطان على سبيل المثال يقول ابن سينا: عدس، الإكثار منه يولد السرطان والأورام الصلبة المسماة سقيروس.
ويقول الرازي: الأغذية مما يتولد عنها الدم الغليظ العكر تساعد على تكون السرطان.
نستنتج من المقارنة السابقة بأن العلم الحديث على الرغم من مرور هذه السنين الطويلة لا يزال يقف عاجزاً عن إعطاء التفسير العلمي الحازم والدقيق لمسألة تكون السرطان، وإن تأكيد الأطباء والعلماء اليوم بأن السرطان هو نتيجة الجينات المتحولة Oncagenes الموجودة في أجسامنا والتي تقلب الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية يشبه إلى حد ما تفسير العلماء العرب والمسلمين من أن السرطان يحدث نتيجة انصباب الدم السوداوي العكر (الموجود في أجسامنا) إلى عضو ما والعوامل المساعدة لتكون السرطان والمعروفة اليوم هي الأخرى وكما مـر سابقاً كانت بعضها موضوع اتهام من قبل الأطباء العرب في تكون السرطان.
وأخيراً آراءهم في مسألة انتشاره وانتقاله إلى عضو آخر لم تكن بعيدة عما نقره اليوم.
التسميات
سرطان