دراسة علم النفس.. كلما تعقد المجتمع كلما اشتدت حاجتنا إلى فهم أنفسنا فهما صحيحا على شكل أوسع وأعمق

لقد أصبح فهم علم النفس ودراسته برؤية صحيحة أمر مجديا ليس للأفراد في علاقاتهم الأسرية فقط، ولكن أيضا للعاملين الاجتماعيين في قطاعات كثيرة في المجتمع، كالمشرفين في السجون والمدارس والمستشفيات إلى جانب القائمين على مؤسسات الصحة النفسية وكذلك الآباء والأمهات.

وكلما تعقد المجتمع كلما اشتدت حاجتنا إلى فهم أنفسنا فهما صحيحا على شكل أوسع وأعمق.
 فالمجتمعات الحديثة متقدمة كانت أو نامية تزخر بالأسباب والدوافع العديدة للاضطراب النفسي، مثل الضغوط الاجتماعية والمعيشية، وتغير القيم السريع وتناقضها والتمزق والضياع، وكل ذلك يدفع الكثيرين إلى الاستجابة لهذه العوامل استجابة غير طبيعية، فيتردون في هوة المرض النفسي.

 وحتى منجزات الحضارة الحديثة من التطور العلمي والتقني والاختراعات الجديدة تترك آلافا من البشر نهبا للبطالة، كما أن المشاكل الاجتماعية والشخصية والسياسية تخلف من الآلام والأزمات ما يجعل الناس تبحث عن منافذ للخروج منها.

 وقد يجدون الأبواب موصدة فيقعون في أوهام الإدمان والمخدرات وتجرفهم مخاطرها حتى يصل الأمر إلى أن تتحطم الأسر.

 كما أن المعاناة الناشئة من مشاعر الضياع والحرمان ورفضهم لواقعهم المجحف يقودهم إلى دهاليز الأمراض النفسية المختلفة.

هذه الاستجابات الشاذة غير السوية أصبحت تعيش معنا كل يوم، فلا يقرأ أحد منا جريدته اليومية أو مجلته الأسبوعية حتى يطالعه من بين سطورها خبر عن حالة قتل قد تكون لأقرب الأقربين للقاتل أو انتحار أو شذوذ جنس أو تعاطى مخدرات أو بيعها.. الخ.

 وهذه الحوادث الشاذة لا تقل أو تضعف بل إنها تستفحل وتزداد، هذا القلق الاجتماعي الذي يمنع الأفراد من التكيف السليم مع بيئتهم ويبعدهم عن التفكير السليم في حل مشكلاتهم مما يورطهم في ممارسة حلول خاطئة تؤدى بدورها إلى مشكلات جديدة حتى تمتد سلسلة هذه المشكلات الاجتماعية المتراكمة المتشابكة لتوقع ضحيتها أو ضحاياها آخر الأمر في حبائل المرض النفسي المدمر.

ويوثق مصطفى زيور المعرفة بقوله "إذا تأملنا مفهوم المرض في الطب النفسي المعاصر، وجدناه يثير مشكلة كانت محور التفكير الفلسفي منذ أقدم العصور، أليس المرض النفسي مزيجا فريدا من المعرفة والجهل؟
أليس العلاج بالتحليل النفسي ضربا من الجدل بين الطبيب ومريضه تنبثق عنه معرفة هي الشفاء؟
ألا يذكرنا ذلك بالجدل عند سقراط؟..

إن الشعار الفلسفي الأول (اعرف نفسك) هو الطريق إلى الحكمة وهو المعنى المتضمن في منهج التحليل النفسي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال