حكم منظار المعدة أثناء الصيام في رمضان

منظار المعدة:
التعريف به:
هو جهاز طبي يدخل عبر الفم إلى البلعوم، ثم إلى المريء، ثم المعدة، ويستفاد منه إما في تصوير ما في المعدة ليعلم ما فيها من قرحة ونحوها، أو لاستخراج عينة صغيرة لفحصها، أو لغير ذلك من الأغراض الطبية.

توطئة:
قبل الشروع في حكم دخول المنظار إلى المعدة لابد من ذكر مسألة فقهية، لتخرج مسألتنا هذه عليها، وهي: هل دخول أي شيء إلى المعدة يفطر به الصائم أو لابد من دخول المغذي.

وهي مسألة اختلف فيها أهل العلم:
قال ابن رشد ـ مبيناً سبب الخلاف في هذه المسألة: "وسبب اختلافهم في هذه هو قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأن المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف، سوى بين المغذي وغير المغذي"([2]) أهـ

خلاف أهل العلم في هذه المسألة:

القول الأول:
ذهب عامة أهل العلم والجماهير من السلف والخلف إلى أن من أدخل أي شيء إلى جوفه أفطر، ولو كان غير مغذي، ولا معتاد، ولو لم يتحلل وينماع، فلو بلع قطعة حديد، أو حصاة، أو نحوهما قاصداً أفطر، وهو مذهب الأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة ([3]).

إلا أن الأحناف اشترطوا استقراره، أي أن لا يبقى طرف منه في الخارج، فإن بقي منه طرف في الخارج، أو كان متصلاً بشيء خارج فليس بمستقر.

الأدلة:
1ـ أن النبي (ص) أمر باتقاء الكحل([4]) الذي يدخل من العين إلى الحلق، وليس في الكحل تغذية، فعلم أنه لا يشترط في الداخل أن يكون مما يغذي في العادة([5]).
المناقشة:
أنه حديث ضعيف كما بينته في التخريج.

2ـ عموم أدلة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب فيدخل فيه محل النزاع([6]).
المناقشة:
أن هذا استدلال بمحل الخلاف؛ لأن الخلاف هل يسمى ذلك أكلاً أو لا يسمى.

3ـ أن الصيام هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف، وهذا ما أمسك؛ ولهذا يقال فلان يأكل الطين ويأكل الحجر([7]).
المناقشة:
أن الإمساك المطلوب لا بد له من متعلق، وهو محل البحث، أي ما هو الشيء الذي يطلب من الصائم أن يمسك عنه.

والأكل علقه كثير من أهل اللغة بالمطعوم، ففي لسان العرب([8]): أكلت الطعام أكلاً ومأكلاً. أهـ.
ونحوه في كتب اللغة الأخرى([9]).

وفي المصباح المنير([10]): "قال الرماني: الأكل حقيقةً بلع الطعام بعد مضغه، فبلع الحصاة ليس بأكل حقيقةً".
وفي معجم لغة الفقهاء([11]): "الأكل بسكون الكاف وصول ما يحتاج إلى المضغ إلى المعدة".

وفي تاج العروس: "قال ابن الكمال: الأكل إيصال ما يمضغ إلى الجوف ممضوغاً أولاً".
وفي المفردات للأصفهاني([12]): "الأكل تناول المطعم".

وفي كلام هؤلاء ما يدل على أنه لا يطلق الأكل إلا على المطعوم، ويؤيد هذا قوله r : "يدع طعامه وشرابه". فالمطلوب ترك الطعام والشراب ليس إلا.

4ـ ما جاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: "إنما الفطر مما دخل وليس مما خرج"([13]).
المناقشة:
يناقش بما سبق في مناقشة الدليل الثاني والثالث أي هل الفطر من كل داخل أو من المطعوم فقط هذا هو محل النزاع.

القول الثاني:
أنه لا يفطر مما دخل إلى المعدة إلا ما كان طعاماً أو شراباً، وهو مذهب الحسن بن صالح، وبعض المالكية([14]) واختاره شيخ الإسلام([15]).

الأدلة:
1ـ أن المقصود بالأكل والشرب في النصوص هو الأكل المعروف الذي اعتاد عليه الناس، دون أكل الحصاة والدرهم ونحوهما، فإن هذا لا ينصرف، إليه النص ولهذا لما أراد الخليل ـ أن يعرف الأكل قال: الأكل معروف"([16])

2ـ أن الله ورسوله إنما جعلا الطعام والشراب مفطراً لعلة التقوي والتغذي، لا لمجرد كونه واصلاً إلى الجوف، قال شيخ الإسلام "الصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوي فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء، لا عن حقنة ولا كحل".
وإذا ثبت أن هذه هي العلة فهي منتفية فيما يدخل إلى المعدة مما لا يغذي.

الترجيح:
الأقرب دليلاً ـ حسب ما ظهر لي ـ القول الثاني، والأحوط هو القول الأول والله تعالى أعلم .

نرجع الآن إلى المسألة المقصودة وهي دخول المنظار إلى المعدة:
فعلى القول بأن كل داخل إلى المعدة مهما كان (مغذياً أو غير مغذي) يفطر فالمنظار على هذا يفطر، تخريجاً على قول الأئمة الثلاثة - عدا الأحناف- فإنهم يشترطون الاستقرار - كما سبق - وهو أنه ألا يبقى منه شيء في الخارج، ومعلوم أن المنظار يتصل بالخارج، فهو لا يفطر تخريجاً على قول الأحناف ويفطر تخريجاً على قول الثلاثة، ومقتضى كلام كثير من المعاصرين: أن المنظار يفطر، لأنهم قالوا أن كل عين دخلت الجوف تفطر أكلت أو لم تؤكل، تطعم أو لا تطعم صغيرة أو كبيرة.([17])

أما على القول بأنه لا يفطر إلا المغذي فقط فالمنظار لا يفطر؛ لكونه جامداً لا يغذي، وهذا ما اختاره الشيخ محمد بخيت([18]) مفتي مصر وشيخنا محمد العثيمين([19]).

والقول بعدم التفطير هو الأقرب؛ لأنه لا يمكن اعتبار عملية إدخال المنظار أكلاً لا لغةً، ولا عرفاً، فهي عملية علاج ليس أكثر.

تنبيه:
إذا وضع الطبيب على المنظار مادة دهنية مغذية لتسهيل دخول المنظار فهنا يفطر الصائم بهذه المادة لا بدخول المنظار؛ وذلك لأنها مفطرة بذاتها، فهي مادة مغذية دخلت المعدة، وهذا يفطر بلا إشكال([20]).

([1]) مجلة مجمع الفقه ع 10 ج 2 ص 96 بحث د . محمد الألفي.
([2]) بداية المجتهد 2/ 153.
([3]) انظر تبيين الحقائق للزيلعي 1/ 326، المجموع 6/ 317، الشرح الكبير 7/ 410، شرح الزرقاني على خليل 1/ 207، بداية المجتهد 2/ 153، شرح منتهى الإرادات 1/ 448. 
([4]) أخرجه أبو داود 1/ 724، وأحمد 3/ 499، والطبراني في الكبير 20/ 341، وهو حديث منكر، استنكره ابن معين، وأحمد، انظر مسائل أبي داود ص298 ، وشرح العمدة لشيخ الإسلام – الصيام – 1/ 389.
([5])  شرح العمدة لشيخ الإسلام – الصيام- 1/ 385.
([6]) الشرح الكبير 7/ 411.
([7]) فقه الصيام د. محمد حسن هيتو ص 77.
([8]) لسان العرب 11 / 19.
([9]) الصحاح 1/8.
([10]) ص7.
([11]) ص64.
([12]) ص80.
([13]) أخرجه البيهقي 4/ 261، وانظر مجمع الزوائد 1/252، ونصب الراية 2/ 253 وحسنه النووي في المجموع 6/327، وقال ابن حجر الهيثيمي: إسناده حسن أو صحيح "إتحاف أهل الإسلام" ص 121.
([14]) انظر الفروع 3/ 46.
([15]) مجموع الفتاوى 20 / 528.
([16]) معجم مقاييس اللغة 1/ 122.
([17]) فقه الصيام د. محمد حسن هيتو ص 76، وانظر التبيان والاتحاف في احكام الصيام والاعتكاف د. فضل حسن عياش ص93.
([18])  فهو يقول: "وبالجملة فالشرط في المفطر أن يصل إلى الجوف وأن يستقر فيه والمراد بذلك أن يدخل إلى الجوف ولا يكون طرفه خارج الجوف ولا متصلاً بشيء خارج الجوف..." نقله السبكي في الدين الخالص 8 / 457.
([19]) الشرح الممتع 6/ 383.
([20]) وقد نبه إلى ذلك شيخنا في المصدر السابق.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال