أضرار تلوث الغذاء الإشعاعي.. الأورام السرطانية وتلف أجهزة المناعة وتشوهات الأجنة والعقم

أدى تطور استخدامات التكنولوجيا النووية العسكرية والمدنية، والتزايد المطرد في تطبيقات النظائر المشعة إلى ظهور أمراض خطيرة، مثل الأورام السرطانية وتلف أجهزة المناعة وتشوهات الأجنة والعقم وغيرها من الأمراض التي تنتج عن انتقال الإشعاعات إلى الإنسان بطرق مختلفة، على رأسها الغذاء الملوث بهذه الإشعاعات، في حالات تساقط الغبار الذري على النباتات والتربة الزراعية أو نتيجة لتلوث الهواء والماء بمخلفات التجارب أو النشاطات النووية أو الذرية، وهو ما يتطلب اهتمام الجهات المعنية بمعرفة أساليب تقدير العناصر المشعة وقياس النشاط الإشعاعي في الأغذية الصلبة والسائلة، وسبل الحد من تلوث الأغذية بالمواد المشعة.

ومشكلة تقدير مدى تلوث الأغذية بالمواد المشعة ترجع إلى تباين الخصائص الفيزيائية للمواد والنظائر المشعة المختلفة، حيث تتفاوت المواد المشعة من حيث درجة تركيزها، وتأثيراتها داخل جسم الإنسان.

كما تختلف وفقاً للفترة التي تستغرقها لفقد إشعاعيتها، ويطلق علمياً على هذه الفترة التي تستغرقها حتى تفقد إشعاعيتها اسم (نصف العمر) إشارة إلى انخفاض التأثير الإشعاعي إلى النصف، وكلما زاد نصف العمر للعناصر المشعة كلما زاد خطرها.

وتلعب الفترة التي تسقط خلالها المواد المشعة على الأغذية دوراً هاماً في زيادة تأثيرها، ففي حال سقوط المواد المشعة في فترة حصاد المحاصيل فإن ضررها يكون أشد، حيث يؤدي ذلك إلى ترسب المواد المشعة على سطح النباتات فتمتصها الأوراق أو الجذور فيما بعد، وعندما يكون التلوث سطحياً فإن النباتات الخضراء العريضة الأوراق تكون أشد خطراً على الإنسان، كالخس والسبانخ والفاكهة التي لاتنزع قشرتها عند أكلها كالعنب والمشمش.

وينتقل التلوث الإشعاعي من المزروعات إلى الإنسان مباشرة عن طريق الغذاء، أو عبر وسيط مثل الحيوانات التي تتغذى على النباتات فتترسب المواد الإشعاعية في أجسامها، ثم تنتقل للإنسان عن طريق تناول لحومها أو ألبانها. 

ويعد تلوث المواد الغذائية بالإشعاع عن طريق المياه والتربة، أقل خطورة من تلوث النباتات مباشرة بالغبار الذري، وقد تتلوث الحيوانات والأسماك بالإشعاع إذا كانت كمية المياه قليلة ومحدودة، في حين يقل خطر التلوث في البحار والمحيطات والأنهار والبحيرات الكبيرة.

وفي حال تلوث التربة بالغبار الذري فإنها تحمي على المدى القصير المحاصيل الدرنية كالبطاطس والفجل والجزر والبصل من التلوث الفوري. وإذا كان نصف العمر للمادة المشعة قصيراً، فإنها تختفي قبل وصولها إلى شبكة الجذور أو المياه الجوفية.

وتختلف درجة تلوث السلسلة الغذائية من خلال شبكة الجذور والمياه الجوفية حسب نوعية الغبار الذري. فمادة مثل السيزيوم تلتصق بالتربة كيميائياً، وإذا بقيت المواد المشعة في التربة فإن المحاصيل اللاحقة ستتلوث بدرجة كبيرة.

وتتزايد مخاطر الأغذية الملوثة إشعاعياً بالنسبة للأطفال وكبار السن، وكذا الأجنة التي يحدث لها تشوه إذا ما تعرضت للإشعاع ولو بجرعات بسيطة، ويعود سبب حساسية الأجنة للملوثات إلى الانقسام السريع الذي تشهده خلايا الجنين قبل عملية الولادة وأثناء الحمل، وتكون حساسية الجنين للإشعاع على أشدها في الثلث الأول من الحمل، ففي هذه الفترة تتم عملية تكوين الأعضاء وبعد هذه الفترة تؤثر الأشعة في الجهاز العصبي.

وبعد الثلث الأول من الحمل يؤدي الإشعاع إلى صغر حجم الرأس وحدوث تخلف عقلي وتشويه الأيدي والأرجل عند المولود، وخاصة إذا زادت الجرعات من الأشعة عن 25 راد.

وقد دلت الدراسات على أن الأطفال الذين يتعرضون لراد واحد وهم في الثلث الأول من الحمل فتكون نسبة الإصابة بالسرطان نحو 5% وترتفع الإصابة إلى 1.5% في حال التعرض بعد ذلك لراد واحد.

كما تؤدي الأغذية الملوثة إشعاعياً إلى الإصابة بالعديد من الأورام السرطانية، وقد أثبتت الدراسات أن الأشعة تستطيع أن تسبب أنواع مختلفة من السرطانات في معظم أنسجة الجسم، وأن تأثير الإشعاعات في الحيوانات يتشابه كثيراً مع تأثيرها في الإنسان.

وعند اكتشاف حالات تلوث للأغذية فإنه يجب إتلاف هذه الأغذية فوراً، وهو ما يؤدي بالطبع إلى خسائر اقتصادية كبيرة للمنتجين، ولكن البديل هو خداع المستهلك وتركه يأكل أغذية غير صالحة للاستهلاك وتصيبه بأمراض خطيرة.

أما بالنسبة للحيوانات المصابة، فإنها يجب أن تنقل إلى مناطق مغطاة، مع استعمال الأعلاف المخزنة، وعدم تغذيتها بالأعشاب الملوثة، وفي حالة تلوث الخضروات، فإنه يمكن غسلها بمنظفات ومذيبات خاصة لتخفيف التلوث السطحي إلا هذه الطريقة مكلفة وتحتاج إلى خبراء لديهم القدرة على تنفيذ هذه العمليات، كما يمكن تغطية المحاصيل في حالة انتشار الغبار الذرية، ولكن هذا لا يمكن تنفيذه إلا على نطاق ضيق ومحدود.

ولحماية الأغذية من مخاطر التلوث الإشعاعي، فإنه يجب الاهتمام بإجراء المزيد من البحوث عن كيفية انتقال الإشعاع إلى المواد الغذائية المختلفة، ووسائل تجنب الغبار الذري، كما يجب توعية المواطنين بمخاطر التسرب الإشعاعي، ووضع نظم كفئة لمراقبة التلوث الإشعاعي على المستويين الدولي والوطني، وتبني معايير موحدة لتقييم الأخطار النووية الناجمة عن التلوث النووي للغذاء.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال